بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد :
بمناسبة اقتراب يوم العيد ، وأنَّ غدا يوافق يوم الجمعة ، سأقتطع فصلا من بحثي المسمى ( التبصرة في حكم الصلاة خلف المشركين ومن بدعته مكفرة ) وأزيد عليه أشياءً وأجيب على شبهات واعتراضات المخالفين في ترك العيدين والجمعة مطلقا وصلاتها في البيت !! ولأن ترك الجمعات والأعياد أمرهما شديدٌ , وقد رُمي الحسن بن صالح بسبب تركه لهما بالبدعة وهجر ، وجعلوا هذا الأمر في كتب أصول السنة كما سيأتي ، وقد اشتبه على بعض الموحدين ، بعض النصوص ، فتركوا الجمعات والأعياد بالمساجد !! وهذا المسألة تتعلق بالسنة كما لا يخفى ولهذا أقول :
[ النص الذي اشتبه على هؤلاء هو هذا ] :
ــ في المدونة (1/176) لابن القاسم قال : قُلْتُ : أَفَكَانَ مَالِكٌ يَقُولُ تُجْزِئُنَا الصَّلَاةُ خَلْفَ هَؤُلَاءِ الْوُلَاةِ وَالْجُمُعَةُ خَلْفَهُمْ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قُلْتُ : فَإِنْ كَانُوا قَوْمًا خَوَارِجَ غَلَبُوا أَكَانَ مَالِكٌ يَأْمُرُ بِالصَّلَاةِ خَلْفَهُمْ وَالْجُمُعَةِ خَلْفَهُمْ ؟ قَالَ : كَانَ مَالِكٌ يَقُولُ : إذَا عَلِمْتَ أَنَّ الْإِمَامَ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ فَلَا تُصَلِّ خَلْفَهُ وَلَا يُصَلَّى خَلْفَ أَحَدٍ مَنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ .... ثم قَالَ : وَسَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ الصَّلَاةِ خَلْفَ الْإِمَامِ الْقَدَرِيِّ ؟ قَالَ : إنْ اسْتَيْقَنْتَ أَنَّهُ قَدَرِيٌّ فَلَا تُصَلِّ خَلْفَهُ قَالَ : قُلْتُ : وَلَا الْجُمُعَةَ ؟ قَالَ : وَلَا الْجُمُعَةَ إنْ اسْتَيْقَنْتَ قَالَ : وَأَرَى إنْ كُنْتَ تَتَّقِيهِ وَتَخَافَهُ عَلَى نَفْسِكَ أَنْ تُصَلِّيَ مَعَهُ وَتُعِيدَهَا ظُهْرًا .
(قلت) هذا هو النص الذي أشكل على كثير من الموحدين وأخذوا منه أن الجمعة والعيدين أيضا لا تصلى خلف الجهمية ، فضلا عن باقي الصلوات ، إلا إذا كنت تخاف السلطان !! فإن كنت لا تخافه فتترك الجمعة والعيدين على حدِّ فهمهم !! . وجوابه : هل في هذا النص أنه لا يصلي في المسجد أبدا ، ويصلي في البيت دائما ؟؟ هل فيه أيضا أنه يترك ذلك حتى وإن كان عندهم خيارات لمساجد تقام فيها الجمعة غير مسجد السلطان ؟؟ وهل فيه أنه لا يطلب منا تغيير المسجد والبحث عن آخر ؟؟ إلى حدِّ الآن لا يستطيع أي أحد من المخالفين أن يأتوا بنص صريح عن السلف أنهم كانوا يصلون في البيت ، أو يأمرون بالصلاة في البيت !!
ويوضحه قليلا ما ذكره القيرواني في النوادر (1/289) عن مالك فقال : ومن الواضحة : ومن صَلَّى خلف أحد من أهل الأهواء أَعَادَ أبدًا ، إلاَّ أَنْ يكون هو الوالي -الذي تؤدَّى إليه الطاعة ، أو قاضيه ، أو خليفته على الصَّلاَة ، أو صاحب شُرْطته - فيجوز أَنْ يصلي خلفهم الجمعة وغيرها ، ومن أَعَادَ في الوَقْتِ منهم فحَسَنٌ ، ومَنْعُ الصَّلاَة خلفهم داعية إلى الخروج من طاعتهم ، وسبب إلى الدماء والفتنة. قال: وقد صَلَّى ابن عمر خلف الحجَّاج ، وخلف نجدة الحروري حين وادع ابن الزبير. قال: وإن كان الوالي يُضَيِّعُ الصَّلاَة حتى يفوت الوقت فليصلوا في الوَقْتِ، وتكون صلاتهم معه نافلة كما جاء في الحديث، وكما فعل التابعون خلف الوليد ) اهــــ .
ويبينه أيضا ما في مسائل حرب (1122) عن بَقيَّة قال : سألت الزبيدي : هل يُصَلَّى خَلفَ صاحِب بِدعَة، أو مُكَذِّبٍ بِالقَدَر ؟ فقال: « إن كان واليًا فلَيسَ لَك من الأمر شَيء ، وأنت في عُذر ، وإن لم يكن واليًا ، فلا تصلي خَلفَه »
(قلت) أي يبحث عن غيره يصلي خلفه ، فالظاهر من الخشية التي ذكروها إنما هي خوف الولاة ، والخوف يكون عادة من غيابك عن الجمعة لأنه مساجدهم عادة للجمعة واحدة ، والغائب يكون واضح غيابه ، ويكون قد ضيع شعيرة كبيرة من شعائر الإسلام الظاهرة ، بخلاف الصلوات الخمس ، قد يقال إنه يصلي حيث يعمل أو نحو هذه الأعذار ، فلا يكون سبب غيابه واضح .
[ بيان كلام باقي أهل الحديث في المسألة يُبيِّن أن كل روايات النهي عن الصلاة خلف الجهمية مقيدة بتغيير المسجد ] :
تواترت النصوص في بيان معنى المنع من الصلاة خلف الجهمية الجمعات والصلوات وهو ـــ أي قصدهم ـــ إما أن تصلي وتعيد أو تبحث عن مسجد آخر فيه سني .
ذكر أبو داود في مسائله ( صـ 43) عن الإمام أحمد أنه سأله عن حكم صلاة الجمعة أيام كان يصلي الجمع خلف الجهمية فقال :- أنا أعيد ، ومتى ما صليت خلف أحد ممن يقول القرآن مخلوق فأعد ) .
(قلت) فهذا واضح أن الجمعة تصلي خلف الجهمي ثم تُعاد بالبيت ظهرا . وروى اللالكائي في السنة (20) عن أبي طَالُوتَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : قُلْتُ : مَنْ صَلَّى خَلْفَ جَهْمِيٍّ سَنَةً يُعِيدُ الصَّلَاةَ ؟ قَالَ : نَعَمْ يُعِيدُ سَنَةً سَنَةً وَسَنَتَيْنِ كُلَّمَا صَلَّى خَلْفَهُ يُعِيدُ وَقَالَ أَيْضًا : لَا يُصَلَّى خَلْفَ الْجَهْمِيِّ ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْجُمُعَةُ ، فَإِذَا صَلَّيْتَ الْجُمُعَةَ خَلْفَهُ فَأَعِدِ الصَّلَاةَ ) اهــ .
(قلت) وفي هذا فائدة : الجمعة لا نقاش في أنك تصليها خلفهم ثم تعيد . وروى ابن شاهين في السنة (20) عن أحمد قال « لَا يُصَلَّى خَلْفَ الْجَهْمِيِّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْجُمُعَةُ فَإِذَا صَلَّيْتَ الْجُمُعَةَ خَلْفَهُ فَأَعِدِ الصَّلَاةَ »
قال الميموني : سمعت أحمد قال: إذا كان الإمام من أئمة الأحياء يسكر، فلا أحب أن أصلِّي خلفه البتة ، لأنَّ لي اختيار الأئمة ، وليس هو والي المسلمين ، لأن ابن عمر سئل عن الصلاة خلف الأمراء ، فقال : إنما هي حسنة لا أبالي من شركني فيها وقال : والصلاة خلف الولاة لابد ، والصلاة خلف أئمة الأحياء لنا أن نختار . [ بدائع الفوائد (4/ 56) فتح الباري لابن رجب (6/192) ]
ومثله حين سئل الإمام أبو إسحاق السبيعي: ما ترى في الصلاة خلف من يسب أبا بكر وعمر ؟ قال: ألست تجد غيرهم ؟ قلت : بلى، قال : لا تصلي خلفهم [ شرح أصول اعتقاد أهل السنة (8/1545) ] يعني مفهوم هذا أنك لو لم تجد بديلا صلي خلفهم الجمعة وأعد .
ــ ومثله ما في سؤالات ابن الجنيد لابن معين (783) قلت : فما تقول في الصلاة خلف القدرية والجهمية ؟ قال : « إن كان له موضع غير ذلك المسجد فلا يصلي خلفه » قلت : فإن صلى؟ قال: « إن صلى وهو يعلم فليعد الصلاة »
ومثله ما في شرح أصول الاعتقاد للالكائي (1/170) : قال الثوري لشعيب بن حرب : يا شعيب لا ينفعك ما كتبت حتى ترى الصلاة خلف كل بر وفاجر ، والجهاد ماض إلى يوم القيامة ، والصبر تحت لواء السلطان جار أم عدل ، قال شعيب فقلت لسفيان : يا أبا عبد الله الصلاة كلها ؟ قال: لا ولكن صلاة الجمعة والعيدين ، صل خلف من أدركت وأما سائر ذلك ، فأنت مخير لا تصل إلا خلف من تثق به وتعلم أنه من أهل السنة والجماعة ) .
(قلت) يشير إليه بأن يبحث عن السنِّي بمسجد آخر ، ولم يقل له : أن مخير أن تجلس بالبيت أو تصلي خلفهم ، وقال صل خلف من أدركت .
ـــ وقال ابن أبي زمنين في أصول السنة (1/284) : وَحَدَّثَنِي وَهْبٌ عَنْ اِبْنِ وَضَّاحٍ قَالَ : سَأَلْتُ حَارِثَ بْنَ مِسْكِينٍ هَلْ نَدَعُ اَلصَّلَاةَ خَلْفَ أَهْلِ اَلْبِدَعِ ? فَقَالَ : أَمَّا اَلْجُمُعَةُ خَاصَّةً فَلَا ، وَأَمَّا غَيْرُهَا مِنْ اَلصَّلَاةِ فَنَعَمْ ، قَالَ اِبْنُ وَضَّاحٍ وَسَأَلْتُ يُوسُفَ بْنَ عَدِيٍّ عَنْ تَفْسِيرِ حَدِيثِ اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلْفَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ قَالَ: اَلْجُمُعَةُ خَاصَّةً ، قُلْتُ: وَإِنْ كَانَ اَلْإِمَامُ صَاحِبَ بِدْعَةٍ ? قَالَ نَعَمْ ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبَ بِدْعَةٍ لِأَنَّ اَلْجُمُعَةَ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ لَيْسَ تُوجَدُ فِي غَيْرِهِ ) .
(قلت) فاتضح من هذا النص أن الجمعة في زمنهم محصورة ومضيقة لا كما هو الحال في زمننا ، حيث تعددت المساجد كثيرا ، والجمعات في كل مكان بحيث يمكنك التخيير وأيضا أئمتهم عادة السلاطين ، وهذا يؤدي للخوف في التغيير .
في مسائل أبي داود (301) وابن قدامة في المغني (2/138) عن الإمام أحمد : سَأَلَهُ رَجُلٌ قَالَ : رَأَيْت رَجُلًا سَكْرَانَ أُصَلِّي خَلْفَهُ ؟ قَالَ لَا قَالَ : فَأُصَلِّي وَحْدِي ؟ قَالَ أَيْنَ أَنْتَ ؟ فِي الْبَادِيَةِ ؟ الْمَسَاجِدُ كَثِيرَةٌ ؟ قَالَ : أَنَا فِي حَانُوتِي قَالَ : تَخَطَّاهُ إلَى غَيْرِهِ مِنْ الْمَسَاجِدِ ) اهــــ
(قلت) وهذه رواية صريحة جدا تُبيَّن معنى هذا الباب كله ، لمن تاملها . في سؤالات ابن الجنيد لابن معين (783) قلت: فما تقول في الصلاة خلف القدرية والجهمية ؟ قال : إن كان له موضع غير ذلك المسجد ، فلا يصلي خلفه » قلت : فإن صلى ؟ قال: « إن صلى وهو يعلم فليعد الصلاة » .
(قلت) وهذه الرواية أيضا توضح كل مرويات هذا الباب . فالجمعة لا تترك مطلقا هذا حكم خاص بها :
في مسائل الكوسج (511) قلت ــ أي لأحمد ـــ : هل من إمام يترك الجمعة معه ؟ قال : لا ، لا يترك الجمعة لشيء ، قال إسحاق : كما قال ، إلا أن يجاوز الوقت. [ وذكرها أبو يعلى إلى رواية ابن منصور في الروايتين والوجهين (1/185) ]
(قلت) تأمل قول أحمد وإسحاق لا تترك الجمعة لأي سبب مهما كان . وقد قال عبد الله في السنّة : سمعت أبي رحمه الله ، يقول : من قال ذلك القول لا يصلى خلفه الجمعة ولا غيرها : إلا أنا لا ندع إتيانها فإن صلى رجل أعاد الصلاة ، يعني خلف من قال : القرآن مخلوق ]
(قلت) فاستثناء أهل الحديث الجمعة واضح جدا وكثير في كلامهم في أنه لا يجوز للسني أن يدعها ، خلافا لمن تمسك بالمتشابه من كلام رواية مالك السابقة . وروى اللالكائي في السنة (20) وابن شاهين في السنة (20) عن أبي طَالُوتَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : قُلْتُ : مَنْ صَلَّى خَلْفَ جَهْمِيٍّ سَنَةً يُعِيدُ الصَّلَاةَ ؟ قَالَ : نَعَمْ يُعِيدُ سَنَةً سَنَةً وَسَنَتَيْنِ كُلَّمَا صَلَّى خَلْفَهُ يُعِيدُ وَقَالَ أَيْضًا : لَا يُصَلَّى خَلْفَ الْجَهْمِيِّ ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْجُمُعَةُ ، فَإِذَا صَلَّيْتَ الْجُمُعَةَ خَلْفَهُ فَأَعِدِ الصَّلَاةَ ) .
قال أبو داود : قلت لأحمد: الجمعة ؟ قال : أنا أعيد ، ومتى ما صليت خلف أحد ممن يقول القرآن مخلوق فأعد ، قلت : وبعرفة ؟ قال : نعم. [ مسائل أبي داود (305) ]
روى عبد الله (75) عن أبي عُبَيْدٍ الْقَاسِمَ بْنَ سَلَّام قال: لَوْ أَنَّ خَمْسِينَ يَؤُمُّونَ النَّاسَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لَا يَقُولُونَ الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ يَأْمُرُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِالْإِمَامَةِ , إِلَّا أَنَّ الرَّأْسَ الَّذِي يَأْمُرُهُمْ يَقُولُ هَذَا رَأَيْتُ الْإِعَادَةَ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ إِنَّمَا تَثْبُتُ بِالرَّأْسِ»، فَأَخْبَرْتُ أَبِي رَحِمَهُ اللَّهُ بِقَوْلِ أَبِي عُبَيْدٍ فَقَالَ: «هَذَا يُضَيِّقُ عَلَى النَّاسِ إِذَا كَانَ الَّذِي يُصَلِّي بِنَا لَا يَقُولُ بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا صَلَّيْتُ خَلْفَهُ فَإِذَا كَانَ الَّذِي يُصَلِّي بِنَا يَقُولُ بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ أَعَدْتُ الصَّلَاةَ خَلْفَهُ »
(قلت) فلا أبو عبيد ولا أحمد على اختلافهم في الصلاة خلف هؤلاء يوم الجمعة ، فما قال أيُّ أحد منهما أنه يصلي بالبيت ، بل قالا اختلفوا هل يعيدها أو لا فقط . روى عبد الله (76) والكرماني (428) عن يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ أَنَّهُ « يُعِيدُ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ مُذْ أَظْهَرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هَارُونَ الْمَأْمُونُ مَا أَظْهَرَ يَعْنِي الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ »
(قلت) هل لاحظت أنها لا تترك الجمعة أبدا . وقال ابن قدامة : (فأما الجمع والأعياد فإنها تصلى خلف كل بر وفاجر، وقد كان أحمد يشهدها مع المعتزلة ) .
وقال: ( تجب الجمعة والسعي إليها سواء كان من يقيمها سنياً أو مبتدعاً، عدلاً أو فاسقاً ، نص عليه أحمد ، وروى عن العباس بن عبد العظيم: أنه سال أبا عبد الله عن الصلاة خلفهم- يعني المعتزلة- يوم الجمعة ؟ قال : أما الجمعة فينبغي شهودها ، فإن كان الذي يصلي منهم أعاد ، وإن كان لا يدري أنه منهم فلا يعيد ، قلت : فإن كان يقال : أنه قد قال بقولهم قال: حتى يستيقن. ولا أعلم في هذا بين أهل العلم خلافاً ) . [ المغني 2/189، 301] (قلت) وهذه حكاية إجماع على شهود الجمعة سواء الإمام جهمي أو غيره وأنه لا يعيد حتى يستيقن أنه جهمي ، والشك والإحتمال لا ينفع في هذا الباب .
[ شبهة كلام البربهاري في هذا الباب ] :
تمسك المخالفون بكلام مشتبه للبربهاري وهو : قال في شرح السنة في فقرة (114) : والصلوات الخمس جائزة خلف من صليت إلا أن يكون جهميا ، فإنه معطل وإن صليت خلفه فأعد صلاتك ، وإن كان إمامك يوم الجمعة جهميا ، وهو سلطان فصل خلفه وأعد صلاتك ، وإن كان إمامك من السلطان وغيره صاحب سنة ، فصل خلفه ولا تعد صلاتك ) اهـ
والجواب : لا أدري أن الدليل في هذا في ترك الجمعات والأعياد بالمساجد مطلقا والصلاة بالبيت !! فلا يوجد أي لفظة فيها ما ذكروا !! ثانيا : لا ينبغي أيها المخالف ، أن تضع البربهاري على علمه وفضله في منزلة كلام المتقدمين من السلف ـــ هذا على فرض أنه خالفهم ـــ فإن ما بينه وبينهم قرونا ومنازلا .
ومع أن المخالف ترك كلام البربهاري الصريح : قال البربهاري : ومن ترك صلاة الجمعة والجماعة في المسجد من غير عذر فهو مبتدع والعذر كمرض لا طاقة له بالخروج إلى المسجد ، أو خوف من سلطان ظالم ، وما سوى ذلك فلا عذر له ) اهـــ
وقال الإمام البربهاري - رحم الله - قال : ( والصلوات الخمس جائزة خلف من صليت إلا أن يكون جهمياً ، فإنه معطل ، وإن صليت خلفه فأعد صلاتك ) .
(قلت) ولم يقل صلي في بيتك بل هذا واضح كما هو قول أحمد تصلي وتعيد إذا كان السلطان أي أنك في هذه الحالة لا يمكن تغير المسجد فإنه يحتمل يكتشف السلطان ذلك ويعتبره نوع من الخروج عليه فيؤذيك ، لكن لو كنت مجهولا لا يعرفك فيمكنك في هذه الحالة تغير المسجد دون خوف من السلطان ، هذا مقصود من قال هذا من بعض السلف والذي لم يفهم كلامه المخالف !! ا
[ لعلة الصحيحة في عدم ترك الجمعة والعيدين ] :
[ لعلة الصحيحة في عدم ترك الجمعة والعيدين ] :
على خلاف ما يقول المخالف في على هذا الباب ، أنه راجع للسلطان كما تقدم في بيان كلام المخالفين ، فالسلف ذكروا أن سبب وعلة عدم ترك الجمعة والعيدين ، أنها شعيرة ظاهرة لا ينوب عنها شيء آخر ولا تكون إلا في المساجد ولا يمكن أداؤها في البيت ، وهي إرهاب للكفار ، وتشبه بيوم الحشر وهذا شيء لا يمكن أن يكون في البيت بعد أدائها ظهرا بل هي من أصول أهل السنة المجمع عليها .
وقال ابن أبي زمنين في أصول السنة (1/284) : وَحَدَّثَنِي وَهْبٌ عَنْ اِبْنِ وَضَّاحٍ قَالَ سَأَلْتُ حَارِثَ بْنَ مِسْكِينٍ هَلْ نَدَعُ اَلصَّلَاةَ خَلْفَ أَهْلِ اَلْبِدَعِ ? فَقَالَ : أَمَّا اَلْجُمُعَةُ خَاصَّةً فَلَا ، وَأَمَّا غَيْرُهَا مِنْ اَلصَّلَاةِ فَنَعَمْ ، قَالَ اِبْنُ وَضَّاحٍ وَسَأَلْتُ يُوسُفَ بْنَ عَدِيٍّ عَنْ تَفْسِيرِ حَدِيثِ اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلْفَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ قَالَ: اَلْجُمُعَةُ خَاصَّةً قُلْتُ : وَإِنْ كَانَ اَلْإِمَامُ صَاحِبَ بِدْعَةٍ ? قَالَ نَعَمْ ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبَ بِدْعَةٍ لِأَنَّ اَلْجُمُعَةَ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ لَيْسَ تُوجَدُ فِي غَيْرِهِ ) اهـــ
(قلت) وهذا هو سبب والعلة الحقيقية لا ما فسر بها المخالف هذا الأمر برأيه !! صلاة الجمع والعيدين من أصول السنة :
قال أحمد رحمه الله في رسالته إلى مسدد : والخروج مع كل إمام خرج في غزوة وحجة والصلاة خلف كل بر وفاجر صلاة الجمعة والعيدين . اهـــ
وقال فيها : وأرى الصلاة خلف كل بر وفاجر وقد صلى ابن عمر خلف الحجاج يعني الجمعة والعيدين . اهـــ
قال أحمد رحمه الله في رسالته إلى مسدد : والخروج مع كل إمام خرج في غزوة وحجة والصلاة خلف كل بر وفاجر صلاة الجمعة والعيدين . اهـــ
وقال فيها : وأرى الصلاة خلف كل بر وفاجر وقد صلى ابن عمر خلف الحجاج يعني الجمعة والعيدين . اهـــ
وفي رسالة الاصطخري كما في طبقات الحنابلة (1/26): والجمعة والعيدان والحج مع السلطان وإن لم يكونوا بررة عدولا أتقياء .[ وانظر طبقات الحنابلة (1/419)]
وهذا ما قاله الثوري رحمه الله لشعيب بن حرب كما في شرح أصول الاعتقاد لللالكائي(1/170) : يا شعيب لا ينفعك ما كتبت حتى ترى الصلاة خلف كل بر وفاجر ،والجهاد ماض إلى يوم القيامة ، والصبر تحت لواء السلطان جار أم عدل . قال شعيب فقلت لسفيان :يا أبا عبد الله الصلاة كلها ؟ قال: لا ولكن صلاة الجمعة والعيدين ، صل خلف من أدركت ، أما سائر ذلك فأنت مخير لا تصل إلا خلف من تثق به وتعلم أنه من أهل السنة والجماعة ) اهــ
(قلت) فأمره أن يصلي الجمعة والعيدين خلف أي أحد أدركه بدون تفصيل .
(قلت) فأمره أن يصلي الجمعة والعيدين خلف أي أحد أدركه بدون تفصيل .
شبهة ضعيفة جدا :
بعضهم ـــ لا أدري ـــ كيف يحتج بعضهم بما قال المروذي كما في طبقات الحنابلة (1/58) : سئل أحمد : أمر في الطريق فأسمع الإقامة ترى أن أصلي ؟ فقال : قد كنت أسهل فأما إذ كثرت البدع فلا تصل إلا خلف من تعرف ) . اهـــ
(قلت) أولا : هذه المسألة واضحة أنها سؤال عن الصلوات الخمس وضوحا بيِّنًا . ثانيا : لم يقل له صلِّ في بيتك واترك المساجد ، بل قال صلي خلف من تعرف وقد سبق أن أحمد يقول بتغيير المسجد ،كما في نصوص صريحة سبقتْ .
تبديع الحسن بن صلاة لما قال بترك الجمعات والأعياد :
وقد بدع السلف الحسن بن صالح لما ترك الجمعة والجماعة وراء الأئمة ومن هنا أخذ البربهاري تبديع من ترك ذلك كما سبق نل نصه .
ففي ترجمته من السير جاء عَنْ خَلاَّدِ بنِ يَزِيْدَ قَالَ: جَاءنِي سُفْيَانُ فَقَالَ : الحَسَنُ بنُ صَالِحٍ مَعَ مَا سَمِعَ مِنَ العِلْمِ وَفَقُهَ يَتْرُكُ الجُمُعَةَ !! ثُمَّ قَامَ ، فَذَهَبَ. وقال أَبُو سَعِيْدٍ الأَشَجُّ : سَمِعْتُ ابْنَ إِدْرِيْسَ : مَا أَنَا وَابْنُ حَيٍّ ? لاَ يَرَى جُمُعَةً وَلاَ جِهَاداً !! .
وَقَالَ العَلاَءُ بنُ عَمْرٍو الحَنَفِيُّ، عَنْ زَافِرِ بنِ سُلَيْمَانَ: أَرَدْتُ الحجَّ، فَقَالَ لِيَ الحَسَنُ بنُ صَالِحٍ : إِنْ لَقِيْتَ أَبَا عَبْدِ اللهِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ بِمَكَّةَ ، فَأَقْرِهِ مِنِّي السَّلاَمَ وَقُلْ : أَنَا عَلَى الأَمْرِ الأَوَّلِ : فَلَقِيْتُ سُفْيَانَ فِي الطَّوَافِ ، فَقُلْتُ : إِنَّ أَخَاكَ الحَسَنَ بنَ صَالِحٍ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلاَمَ وَيَقُوْلُ : أَنَا عَلَى الأَمْرِ الأَوَّلِ ، قَالَ : فَمَا بَالُ الجُمُعَةِ ? ...
وفي علل عبد الله (215) قَالَ أحمد : مَا يعجبنا مَذْهَب الْحسن بن صَالح قد كَانَ قعد عَن الْجُمُعَة !!) اهـ
قال يعقوب بن سفيان الفسوي في المعرفة والتاريخ (2/ 805) : حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ دَاوُدَ يَقُولُ: تَرَكَ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ الْجُمُعَةَ وَجَلَسَ عَنْهَا قَالَ: فَجَاءَ إِلَيْهِ فُلَانٌ- سَمَّاهُ الْحَسَنُ وَنَسِيتُ اسْمَهُ- قَالَ : فَجَعَلَ يُنَاظِرُهُ لَيْلَةً حَتَّى الصَّبَاحِ ، يَذْهَبُ الْحَسَنُ إِلَى تَرْكِ الْجُمُعَةِ مَعَهُمْ ، وَالْخُرُوجِ عَلَيْهِمْ بِالسَّيْفِ ، وَيَرُدُّ عَلَيْهِ الْآخَرُ ، فَأَبَى إِلَّا ذَلِكَ ) اهـــ.
وفي الختام :
أوجه نصيحة للإخوة الموحدين ممن نحسن فيهم الظنَّ وأخطأوا في هذه المسألة أن يرجعوا للحق ومذهب السلف كما سبق في هذا المقال ، فليس هذا قولي ولا رأي رأيته كما قرأتم ، واشهدوا الجمعة والأعياد كما كان السلف لا يتركون ذلك ، ويدوِّنون ذلك في عقائدهم ، والله المستعان وبه التوفيق .
كتبه أبو عبيد الجزائري ......... صبيحة يوم الجمعة 24رمضان 1439