الخميس، 7 يونيو 2018

قرة العينين في جواب شبهة منْ ترك الجمعة والعيدين


بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد :

بمناسبة اقتراب يوم العيد ، وأنَّ غدا يوافق يوم الجمعة ، سأقتطع فصلا من بحثي المسمى ( التبصرة في حكم الصلاة خلف المشركين ومن بدعته مكفرة ) وأزيد عليه أشياءً وأجيب على شبهات واعتراضات المخالفين في ترك العيدين والجمعة مطلقا وصلاتها في البيت !! ولأن ترك الجمعات والأعياد أمرهما شديدٌ , وقد رُمي الحسن بن صالح بسبب تركه لهما بالبدعة وهجر ، وجعلوا هذا الأمر في كتب أصول السنة كما سيأتي ، وقد اشتبه على بعض الموحدين ، بعض النصوص ، فتركوا الجمعات والأعياد بالمساجد !! وهذا المسألة تتعلق بالسنة كما لا يخفى ولهذا أقول :
[ النص الذي اشتبه على هؤلاء هو هذا ] :

ــ في المدونة (1/176) لابن القاسم قال : قُلْتُ : أَفَكَانَ مَالِكٌ يَقُولُ تُجْزِئُنَا الصَّلَاةُ خَلْفَ هَؤُلَاءِ الْوُلَاةِ وَالْجُمُعَةُ خَلْفَهُمْ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قُلْتُ : فَإِنْ كَانُوا قَوْمًا خَوَارِجَ غَلَبُوا أَكَانَ مَالِكٌ يَأْمُرُ بِالصَّلَاةِ خَلْفَهُمْ وَالْجُمُعَةِ خَلْفَهُمْ ؟ قَالَ : كَانَ مَالِكٌ يَقُولُ : إذَا عَلِمْتَ أَنَّ الْإِمَامَ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ فَلَا تُصَلِّ خَلْفَهُ وَلَا يُصَلَّى خَلْفَ أَحَدٍ مَنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ .... ثم قَالَ : وَسَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ الصَّلَاةِ خَلْفَ الْإِمَامِ الْقَدَرِيِّ ؟ قَالَ : إنْ اسْتَيْقَنْتَ أَنَّهُ قَدَرِيٌّ فَلَا تُصَلِّ خَلْفَهُ قَالَ : قُلْتُ : وَلَا الْجُمُعَةَ ؟ قَالَ : وَلَا الْجُمُعَةَ إنْ اسْتَيْقَنْتَ قَالَ : وَأَرَى إنْ كُنْتَ تَتَّقِيهِ وَتَخَافَهُ عَلَى نَفْسِكَ أَنْ تُصَلِّيَ مَعَهُ وَتُعِيدَهَا ظُهْرًا .

(قلت) هذا هو النص الذي أشكل على كثير من الموحدين وأخذوا منه أن الجمعة والعيدين أيضا لا تصلى خلف الجهمية ، فضلا عن باقي الصلوات ، إلا إذا كنت تخاف السلطان !! فإن كنت لا تخافه فتترك الجمعة والعيدين على حدِّ فهمهم !! . وجوابه : هل في هذا النص أنه لا يصلي في المسجد أبدا ، ويصلي في البيت دائما ؟؟ هل فيه أيضا أنه يترك ذلك حتى وإن كان عندهم خيارات لمساجد تقام فيها الجمعة غير مسجد السلطان ؟؟ وهل فيه أنه لا يطلب منا تغيير المسجد والبحث عن آخر ؟؟ إلى حدِّ الآن لا يستطيع أي أحد من المخالفين أن يأتوا بنص صريح عن السلف أنهم كانوا يصلون في البيت ، أو يأمرون بالصلاة في البيت !!

ويوضحه قليلا ما ذكره القيرواني في النوادر (1/289) عن مالك فقال : ومن الواضحة : ومن صَلَّى خلف أحد من أهل الأهواء أَعَادَ أبدًا ، إلاَّ أَنْ يكون هو الوالي -الذي تؤدَّى إليه الطاعة ، أو قاضيه ، أو خليفته على الصَّلاَة ، أو صاحب شُرْطته - فيجوز أَنْ يصلي خلفهم الجمعة وغيرها ، ومن أَعَادَ في الوَقْتِ منهم فحَسَنٌ ، ومَنْعُ الصَّلاَة خلفهم داعية إلى الخروج من طاعتهم ، وسبب إلى الدماء والفتنة. قال: وقد صَلَّى ابن عمر خلف الحجَّاج ، وخلف نجدة الحروري حين وادع ابن الزبير. قال: وإن كان الوالي يُضَيِّعُ الصَّلاَة حتى يفوت الوقت فليصلوا في الوَقْتِ، وتكون صلاتهم معه نافلة كما جاء في الحديث، وكما فعل التابعون خلف الوليد ) اهــــ .

ويبينه أيضا ما في مسائل حرب (1122) عن بَقيَّة قال : سألت الزبيدي : هل يُصَلَّى خَلفَ صاحِب بِدعَة، أو مُكَذِّبٍ بِالقَدَر ؟ فقال: « إن كان واليًا فلَيسَ لَك من الأمر شَيء ، وأنت في عُذر ، وإن لم يكن واليًا ، فلا تصلي خَلفَه »

(قلت) أي يبحث عن غيره يصلي خلفه ، فالظاهر من الخشية التي ذكروها إنما هي خوف الولاة ، والخوف يكون عادة من غيابك عن الجمعة لأنه مساجدهم عادة للجمعة واحدة ، والغائب يكون واضح غيابه ، ويكون قد ضيع شعيرة كبيرة من شعائر الإسلام الظاهرة ، بخلاف الصلوات الخمس ، قد يقال إنه يصلي حيث يعمل أو نحو هذه الأعذار ، فلا يكون سبب غيابه واضح .
[ بيان كلام باقي أهل الحديث في المسألة يُبيِّن أن كل روايات النهي عن الصلاة خلف الجهمية مقيدة بتغيير المسجد ] :
تواترت النصوص في بيان معنى المنع من الصلاة خلف الجهمية الجمعات والصلوات وهو ـــ أي قصدهم ـــ إما أن تصلي وتعيد أو تبحث عن مسجد آخر فيه سني .
ذكر أبو داود في مسائله ( صـ 43) عن الإمام أحمد أنه سأله عن حكم صلاة الجمعة أيام كان يصلي الجمع خلف الجهمية فقال :- أنا أعيد ، ومتى ما صليت خلف أحد ممن يقول القرآن مخلوق فأعد ) .
(قلت) فهذا واضح أن الجمعة تصلي خلف الجهمي ثم تُعاد بالبيت ظهرا . وروى اللالكائي في السنة (20) عن أبي طَالُوتَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : قُلْتُ : مَنْ صَلَّى خَلْفَ جَهْمِيٍّ سَنَةً يُعِيدُ الصَّلَاةَ ؟ قَالَ : نَعَمْ يُعِيدُ سَنَةً سَنَةً وَسَنَتَيْنِ كُلَّمَا صَلَّى خَلْفَهُ يُعِيدُ وَقَالَ أَيْضًا : لَا يُصَلَّى خَلْفَ الْجَهْمِيِّ ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْجُمُعَةُ ، فَإِذَا صَلَّيْتَ الْجُمُعَةَ خَلْفَهُ فَأَعِدِ الصَّلَاةَ ) اهــ .
(قلت) وفي هذا فائدة : الجمعة لا نقاش في أنك تصليها خلفهم ثم تعيد . وروى ابن شاهين في السنة (20) عن أحمد قال « لَا يُصَلَّى خَلْفَ الْجَهْمِيِّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْجُمُعَةُ فَإِذَا صَلَّيْتَ الْجُمُعَةَ خَلْفَهُ فَأَعِدِ الصَّلَاةَ »
قال الميموني : سمعت أحمد قال: إذا كان الإمام من أئمة الأحياء يسكر، فلا أحب أن أصلِّي خلفه البتة ، لأنَّ لي اختيار الأئمة ، وليس هو والي المسلمين ، لأن ابن عمر سئل عن الصلاة خلف الأمراء ، فقال : إنما هي حسنة لا أبالي من شركني فيها وقال : والصلاة خلف الولاة لابد ، والصلاة خلف أئمة الأحياء لنا أن نختار . [ بدائع الفوائد (4/ 56) فتح الباري لابن رجب (6/192) ]
ومثله حين سئل الإمام أبو إسحاق السبيعي: ما ترى في الصلاة خلف من يسب أبا بكر وعمر ؟ قال: ألست تجد غيرهم ؟ قلت : بلى، قال : لا تصلي خلفهم [ شرح أصول اعتقاد أهل السنة (8/1545) ] يعني مفهوم هذا أنك لو لم تجد بديلا صلي خلفهم الجمعة وأعد .
ــ ومثله ما في سؤالات ابن الجنيد لابن معين (783) قلت : فما تقول في الصلاة خلف القدرية والجهمية ؟ قال : « إن كان له موضع غير ذلك المسجد فلا يصلي خلفه » قلت : فإن صلى؟ قال: « إن صلى وهو يعلم فليعد الصلاة »
ومثله ما في شرح أصول الاعتقاد للالكائي (1/170) : قال الثوري لشعيب بن حرب : يا شعيب لا ينفعك ما كتبت حتى ترى الصلاة خلف كل بر وفاجر ، والجهاد ماض إلى يوم القيامة ، والصبر تحت لواء السلطان جار أم عدل ، قال شعيب فقلت لسفيان : يا أبا عبد الله الصلاة كلها ؟ قال: لا ولكن صلاة الجمعة والعيدين ، صل خلف من أدركت وأما سائر ذلك ، فأنت مخير لا تصل إلا خلف من تثق به وتعلم أنه من أهل السنة والجماعة ) .
(قلت) يشير إليه بأن يبحث عن السنِّي بمسجد آخر ، ولم يقل له : أن مخير أن تجلس بالبيت أو تصلي خلفهم ، وقال صل خلف من أدركت .
ـــ وقال ابن أبي زمنين في أصول السنة (1/284) : وَحَدَّثَنِي وَهْبٌ عَنْ اِبْنِ وَضَّاحٍ قَالَ : سَأَلْتُ حَارِثَ بْنَ مِسْكِينٍ هَلْ نَدَعُ اَلصَّلَاةَ خَلْفَ أَهْلِ اَلْبِدَعِ ? فَقَالَ : أَمَّا اَلْجُمُعَةُ خَاصَّةً فَلَا ، وَأَمَّا غَيْرُهَا مِنْ اَلصَّلَاةِ فَنَعَمْ ، قَالَ اِبْنُ وَضَّاحٍ وَسَأَلْتُ يُوسُفَ بْنَ عَدِيٍّ عَنْ تَفْسِيرِ حَدِيثِ اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلْفَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ قَالَ: اَلْجُمُعَةُ خَاصَّةً ، قُلْتُ: وَإِنْ كَانَ اَلْإِمَامُ صَاحِبَ بِدْعَةٍ ? قَالَ نَعَمْ ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبَ بِدْعَةٍ لِأَنَّ اَلْجُمُعَةَ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ لَيْسَ تُوجَدُ فِي غَيْرِهِ ) .
(قلت) فاتضح من هذا النص أن الجمعة في زمنهم محصورة ومضيقة لا كما هو الحال في زمننا ، حيث تعددت المساجد كثيرا ، والجمعات في كل مكان بحيث يمكنك التخيير وأيضا أئمتهم عادة السلاطين ، وهذا يؤدي للخوف في التغيير .
في مسائل أبي داود (301) وابن قدامة في المغني (2/138) عن الإمام أحمد : سَأَلَهُ رَجُلٌ قَالَ : رَأَيْت رَجُلًا سَكْرَانَ أُصَلِّي خَلْفَهُ ؟ قَالَ لَا قَالَ : فَأُصَلِّي وَحْدِي ؟ قَالَ أَيْنَ أَنْتَ ؟ فِي الْبَادِيَةِ ؟ الْمَسَاجِدُ كَثِيرَةٌ ؟ قَالَ : أَنَا فِي حَانُوتِي قَالَ : تَخَطَّاهُ إلَى غَيْرِهِ مِنْ الْمَسَاجِدِ ) اهــــ
(قلت) وهذه رواية صريحة جدا تُبيَّن معنى هذا الباب كله ، لمن تاملها . في سؤالات ابن الجنيد لابن معين (783) قلت: فما تقول في الصلاة خلف القدرية والجهمية ؟ قال : إن كان له موضع غير ذلك المسجد ، فلا يصلي خلفه » قلت : فإن صلى ؟ قال: « إن صلى وهو يعلم فليعد الصلاة » .
(قلت) وهذه الرواية أيضا توضح كل مرويات هذا الباب . فالجمعة لا تترك مطلقا هذا حكم خاص بها :
في مسائل الكوسج (511) قلت ــ أي لأحمد ـــ : هل من إمام يترك الجمعة معه ؟ قال : لا ، لا يترك الجمعة لشيء ، قال إسحاق : كما قال ، إلا أن يجاوز الوقت. [ وذكرها أبو يعلى إلى رواية ابن منصور في الروايتين والوجهين (1/185) ]
(قلت) تأمل قول أحمد وإسحاق لا تترك الجمعة لأي سبب مهما كان . وقد قال عبد الله في السنّة : سمعت أبي رحمه الله ، يقول : من قال ذلك القول لا يصلى خلفه الجمعة ولا غيرها : إلا أنا لا ندع إتيانها فإن صلى رجل أعاد الصلاة ، يعني خلف من قال : القرآن مخلوق ]
(قلت) فاستثناء أهل الحديث الجمعة واضح جدا وكثير في كلامهم في أنه لا يجوز للسني أن يدعها ، خلافا لمن تمسك بالمتشابه من كلام رواية مالك السابقة . وروى اللالكائي في السنة (20) وابن شاهين في السنة (20) عن أبي طَالُوتَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : قُلْتُ : مَنْ صَلَّى خَلْفَ جَهْمِيٍّ سَنَةً يُعِيدُ الصَّلَاةَ ؟ قَالَ : نَعَمْ يُعِيدُ سَنَةً سَنَةً وَسَنَتَيْنِ كُلَّمَا صَلَّى خَلْفَهُ يُعِيدُ وَقَالَ أَيْضًا : لَا يُصَلَّى خَلْفَ الْجَهْمِيِّ ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْجُمُعَةُ ، فَإِذَا صَلَّيْتَ الْجُمُعَةَ خَلْفَهُ فَأَعِدِ الصَّلَاةَ ) .
قال أبو داود : قلت لأحمد: الجمعة ؟ قال : أنا أعيد ، ومتى ما صليت خلف أحد ممن يقول القرآن مخلوق فأعد ، قلت : وبعرفة ؟ قال : نعم. [ مسائل أبي داود (305) ]
روى عبد الله (75) عن أبي عُبَيْدٍ الْقَاسِمَ بْنَ سَلَّام قال: لَوْ أَنَّ خَمْسِينَ يَؤُمُّونَ النَّاسَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لَا يَقُولُونَ الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ يَأْمُرُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِالْإِمَامَةِ , إِلَّا أَنَّ الرَّأْسَ الَّذِي يَأْمُرُهُمْ يَقُولُ هَذَا رَأَيْتُ الْإِعَادَةَ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ إِنَّمَا تَثْبُتُ بِالرَّأْسِ»، فَأَخْبَرْتُ أَبِي رَحِمَهُ اللَّهُ بِقَوْلِ أَبِي عُبَيْدٍ فَقَالَ: «هَذَا يُضَيِّقُ عَلَى النَّاسِ إِذَا كَانَ الَّذِي يُصَلِّي بِنَا لَا يَقُولُ بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا صَلَّيْتُ خَلْفَهُ فَإِذَا كَانَ الَّذِي يُصَلِّي بِنَا يَقُولُ بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ أَعَدْتُ الصَّلَاةَ خَلْفَهُ »
(قلت) فلا أبو عبيد ولا أحمد على اختلافهم في الصلاة خلف هؤلاء يوم الجمعة ، فما قال أيُّ أحد منهما أنه يصلي بالبيت ، بل قالا اختلفوا هل يعيدها أو لا فقط . روى عبد الله (76) والكرماني (428) عن يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ أَنَّهُ « يُعِيدُ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ مُذْ أَظْهَرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هَارُونَ الْمَأْمُونُ مَا أَظْهَرَ يَعْنِي الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ »
(قلت) هل لاحظت أنها لا تترك الجمعة أبدا . وقال ابن قدامة : (فأما الجمع والأعياد فإنها تصلى خلف كل بر وفاجر، وقد كان أحمد يشهدها مع المعتزلة ) .
وقال: ( تجب الجمعة والسعي إليها سواء كان من يقيمها سنياً أو مبتدعاً، عدلاً أو فاسقاً ، نص عليه أحمد ، وروى عن العباس بن عبد العظيم: أنه سال أبا عبد الله عن الصلاة خلفهم- يعني المعتزلة- يوم الجمعة ؟ قال : أما الجمعة فينبغي شهودها ، فإن كان الذي يصلي منهم أعاد ، وإن كان لا يدري أنه منهم فلا يعيد ، قلت : فإن كان يقال : أنه قد قال بقولهم قال: حتى يستيقن. ولا أعلم في هذا بين أهل العلم خلافاً ) . [ المغني 2/189، 301] (قلت) وهذه حكاية إجماع على شهود الجمعة سواء الإمام جهمي أو غيره وأنه لا يعيد حتى يستيقن أنه جهمي ، والشك والإحتمال لا ينفع في هذا الباب .
[ شبهة كلام البربهاري في هذا الباب ] :
تمسك المخالفون بكلام مشتبه للبربهاري وهو : قال في شرح السنة في فقرة (114) : والصلوات الخمس جائزة خلف من صليت إلا أن يكون جهميا ، فإنه معطل وإن صليت خلفه فأعد صلاتك ، وإن كان إمامك يوم الجمعة جهميا ، وهو سلطان فصل خلفه وأعد صلاتك ، وإن كان إمامك من السلطان وغيره صاحب سنة ، فصل خلفه ولا تعد صلاتك ) اهـ
والجواب : لا أدري أن الدليل في هذا في ترك الجمعات والأعياد بالمساجد مطلقا والصلاة بالبيت !! فلا يوجد أي لفظة فيها ما ذكروا !! ثانيا : لا ينبغي أيها المخالف ، أن تضع البربهاري على علمه وفضله في منزلة كلام المتقدمين من السلف ـــ هذا على فرض أنه خالفهم ـــ فإن ما بينه وبينهم قرونا ومنازلا .
ومع أن المخالف ترك كلام البربهاري الصريح : قال البربهاري : ومن ترك صلاة الجمعة والجماعة في المسجد من غير عذر فهو مبتدع والعذر كمرض لا طاقة له بالخروج إلى المسجد ، أو خوف من سلطان ظالم ، وما سوى ذلك فلا عذر له ) اهـــ
وقال الإمام البربهاري - رحم الله - قال : ( والصلوات الخمس جائزة خلف من صليت إلا أن يكون جهمياً ، فإنه معطل ، وإن صليت خلفه فأعد صلاتك ) .
(قلت) ولم يقل صلي في بيتك بل هذا واضح كما هو قول أحمد تصلي وتعيد إذا كان السلطان أي أنك في هذه الحالة لا يمكن تغير المسجد فإنه يحتمل يكتشف السلطان ذلك ويعتبره نوع من الخروج عليه فيؤذيك ، لكن لو كنت مجهولا لا يعرفك فيمكنك في هذه الحالة تغير المسجد دون خوف من السلطان ، هذا مقصود من قال هذا من بعض السلف والذي لم يفهم كلامه المخالف !! ا
[ لعلة الصحيحة في عدم ترك الجمعة والعيدين ] :
على خلاف ما يقول المخالف في على هذا الباب ، أنه راجع للسلطان كما تقدم في بيان كلام المخالفين ، فالسلف ذكروا أن سبب وعلة عدم ترك الجمعة والعيدين ، أنها شعيرة ظاهرة لا ينوب عنها شيء آخر ولا تكون إلا في المساجد ولا يمكن أداؤها في البيت ، وهي إرهاب للكفار ، وتشبه بيوم الحشر وهذا شيء لا يمكن أن يكون في البيت بعد أدائها ظهرا بل هي من أصول أهل السنة المجمع عليها . 

وقال ابن أبي زمنين في أصول السنة (1/284) : وَحَدَّثَنِي وَهْبٌ عَنْ اِبْنِ وَضَّاحٍ قَالَ سَأَلْتُ حَارِثَ بْنَ مِسْكِينٍ هَلْ نَدَعُ اَلصَّلَاةَ خَلْفَ أَهْلِ اَلْبِدَعِ ? فَقَالَ : أَمَّا اَلْجُمُعَةُ خَاصَّةً فَلَا ، وَأَمَّا غَيْرُهَا مِنْ اَلصَّلَاةِ فَنَعَمْ ، قَالَ اِبْنُ وَضَّاحٍ وَسَأَلْتُ يُوسُفَ بْنَ عَدِيٍّ عَنْ تَفْسِيرِ حَدِيثِ اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلْفَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ قَالَ: اَلْجُمُعَةُ خَاصَّةً قُلْتُ : وَإِنْ كَانَ اَلْإِمَامُ صَاحِبَ بِدْعَةٍ ? قَالَ نَعَمْ ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبَ بِدْعَةٍ لِأَنَّ اَلْجُمُعَةَ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ لَيْسَ تُوجَدُ فِي غَيْرِهِ ) اهـــ
(قلت) وهذا هو سبب والعلة الحقيقية لا ما فسر بها المخالف هذا الأمر برأيه !! صلاة الجمع والعيدين من أصول السنة :
قال أحمد رحمه الله في رسالته إلى مسدد : والخروج مع كل إمام خرج في غزوة وحجة والصلاة خلف كل بر وفاجر صلاة الجمعة والعيدين . اهـــ
وقال فيها : وأرى الصلاة خلف كل بر وفاجر وقد صلى ابن عمر خلف الحجاج يعني الجمعة والعيدين . اهـــ
وفي رسالة الاصطخري كما في طبقات الحنابلة (1/26): والجمعة والعيدان والحج مع السلطان وإن لم يكونوا بررة عدولا أتقياء .[ وانظر طبقات الحنابلة (1/419)]
وهذا ما قاله الثوري رحمه الله لشعيب بن حرب كما في شرح أصول الاعتقاد لللالكائي(1/170) : يا شعيب لا ينفعك ما كتبت حتى ترى الصلاة خلف كل بر وفاجر ،والجهاد ماض إلى يوم القيامة ، والصبر تحت لواء السلطان جار أم عدل . قال شعيب فقلت لسفيان :يا أبا عبد الله الصلاة كلها ؟ قال: لا ولكن صلاة الجمعة والعيدين ، صل خلف من أدركت ، أما سائر ذلك فأنت مخير لا تصل إلا خلف من تثق به وتعلم أنه من أهل السنة والجماعة ) اهــ
(قلت) فأمره أن يصلي الجمعة والعيدين خلف أي أحد أدركه بدون تفصيل .
شبهة ضعيفة جدا
بعضهم ـــ لا أدري ـــ كيف يحتج بعضهم بما قال المروذي كما في طبقات الحنابلة (1/58) : سئل أحمد : أمر في الطريق فأسمع الإقامة ترى أن أصلي ؟ فقال : قد كنت أسهل فأما إذ كثرت البدع فلا تصل إلا خلف من تعرف ) . اهـــ
(قلت) أولا : هذه المسألة واضحة أنها سؤال عن الصلوات الخمس وضوحا بيِّنًا . ثانيا : لم يقل له صلِّ في بيتك واترك المساجد ، بل قال صلي خلف من تعرف وقد سبق أن أحمد يقول بتغيير المسجد ،كما في نصوص صريحة سبقتْ . 

تبديع الحسن بن صلاة لما قال بترك الجمعات والأعياد :

وقد بدع السلف الحسن بن صالح لما ترك الجمعة والجماعة وراء الأئمة ومن هنا أخذ البربهاري تبديع من ترك ذلك كما سبق نل نصه .
ففي ترجمته من السير جاء عَنْ خَلاَّدِ بنِ يَزِيْدَ قَالَ: جَاءنِي سُفْيَانُ فَقَالَ : الحَسَنُ بنُ صَالِحٍ مَعَ مَا سَمِعَ مِنَ العِلْمِ وَفَقُهَ يَتْرُكُ الجُمُعَةَ !! ثُمَّ قَامَ ، فَذَهَبَ. وقال أَبُو سَعِيْدٍ الأَشَجُّ : سَمِعْتُ ابْنَ إِدْرِيْسَ : مَا أَنَا وَابْنُ حَيٍّ ? لاَ يَرَى جُمُعَةً وَلاَ جِهَاداً !! .
وَقَالَ العَلاَءُ بنُ عَمْرٍو الحَنَفِيُّ، عَنْ زَافِرِ بنِ سُلَيْمَانَ: أَرَدْتُ الحجَّ، فَقَالَ لِيَ الحَسَنُ بنُ صَالِحٍ : إِنْ لَقِيْتَ أَبَا عَبْدِ اللهِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ بِمَكَّةَ ، فَأَقْرِهِ مِنِّي السَّلاَمَ وَقُلْ : أَنَا عَلَى الأَمْرِ الأَوَّلِ : فَلَقِيْتُ سُفْيَانَ فِي الطَّوَافِ ، فَقُلْتُ : إِنَّ أَخَاكَ الحَسَنَ بنَ صَالِحٍ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلاَمَ وَيَقُوْلُ : أَنَا عَلَى الأَمْرِ الأَوَّلِ ، قَالَ : فَمَا بَالُ الجُمُعَةِ ? ...
وفي علل عبد الله (215) قَالَ أحمد : مَا يعجبنا مَذْهَب الْحسن بن صَالح قد كَانَ قعد عَن الْجُمُعَة !!) اهـ
قال يعقوب بن سفيان الفسوي في المعرفة والتاريخ (2/ 805) : حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ دَاوُدَ يَقُولُ: تَرَكَ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ الْجُمُعَةَ وَجَلَسَ عَنْهَا قَالَ: فَجَاءَ إِلَيْهِ فُلَانٌ- سَمَّاهُ الْحَسَنُ وَنَسِيتُ اسْمَهُ- قَالَ : فَجَعَلَ يُنَاظِرُهُ لَيْلَةً حَتَّى الصَّبَاحِ ، يَذْهَبُ الْحَسَنُ إِلَى تَرْكِ الْجُمُعَةِ مَعَهُمْ ، وَالْخُرُوجِ عَلَيْهِمْ بِالسَّيْفِ ، وَيَرُدُّ عَلَيْهِ الْآخَرُ ، فَأَبَى إِلَّا ذَلِكَ ) اهـــ.

وفي الختام :
 
أوجه نصيحة للإخوة الموحدين ممن نحسن فيهم الظنَّ وأخطأوا في هذه المسألة أن يرجعوا للحق ومذهب السلف كما سبق في هذا المقال ، فليس هذا قولي ولا رأي رأيته كما قرأتم ، واشهدوا الجمعة والأعياد كما كان السلف لا يتركون ذلك ، ويدوِّنون ذلك في عقائدهم ، والله المستعان وبه التوفيق .

كتبه أبو عبيد الجزائري ......... صبيحة يوم الجمعة 24رمضان 1439

الأحد، 3 يونيو 2018

قضية تحكيم القوانين بين الواقع والتنظير

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن ولاه أما بعد :

أغلب من يتكلم في مسألة الحكم بالقوانين الوضعية هم على قسمين 

القسم الأول : يركزون في كلامهم وكتاباتهم على التأصيل والتنظير وقد يصيبون كثيرا في هذا الباب ، لكن ينسون أو يتغافلون الواقع الذي هم فيه !! 

القسم الثاني : يركزون في كلامهم على الواقع ، ولا شك كثير منه حق ، ولكن يحاولون جرَّ كل النصوص والأحاديث والآثار على هذا الواقع بالتعنت !! 
وهذان القسمان عندهم خلطٌ وتناقض ، ولابدّ من الجمع بين الواقع والتنظير في هذا الباب حتى لا يقع التحريف في أحدهما . 

نصوص وآثار في الحاكم بغير ما أنزل الله ومواقف المتكلمين فيها : 

ما ورد من الآثار عن الصحابة والتابعين ومن بعدهم حيث جعلوا الأصل في الحكم أنه كفر أصغر كثير ، وصحيح ولا مدفع فيه وليس بتضعيف أثر واحد منها يعني يضعف كل ما في الباب ، فهذا الملجأ ليس بعلمي ، ومواقف المتكلمين في هذا على أقسام : القسم الأول : يصحح هذه الآثار ويقول بها ويعتقدها لكن مشكلته أن ينزل هذه النصوص على المواد الكفرية التي سنذكرها ، فيما يسمى بالنظام الديموقراطي الكفري !!
القسم الثاني : يضعف كل ما ورد في الباب من الآثار !! لأنه لم يستطع أن يجمع بينها وبين واقعه ، فهو كما قيل شبه ثم عطل !! فهو أنزلها على عصره وواقعه فلما لم تتطابق معه ، عاد عليها ضربا باليمين !! أو تراه أحيانا يلجأ للتحريف والتأويل . 
القسم الثالث : قالوا الآثار صحيحة لكنها مخالفة للقرآن !!! وهذا أعجب الأقوال . متى كان الصحابة يخالفون القرآن يا لكع !! ومن يقرر أنهم خالفوا القرآن ؟ أنت !! 

(قلت) وهذه الفرق الثلاث لم توفق للوسطية في التعامل مع هذه الآثار ، فهي ثابتة لا شك فيها ، ولا تخالف القرآن ، ولكن لا تُنَزَّلُ على واقعٍ مغايرٍ لها ، من الإعذار في كفريات مستقلة ، وأعطيكم أمثلة في الصميم : 

المثال الأول : لو أن حاكما ترك تحكيم الشريعة وأتى بكتب السحر يحكم بها على الناس ، هل كان سيشكُّ في كفره أحدٌ ؟ لا طبعا إلا مجنون !! طيب لماذا ؟ سيقال إنَّ السحر كفرٌ كيف يحكم بالكفر !! مع أنَّ السحر ناقض واحد فقط ، طيب وماذا عمن أتى بنظام الديموقراطية وهو يحتوي على عشرات النواقض الكفرية التي هي أشد السحر فكيف بمجموعها !! لماذا هذا يكفر بناقض واحد ، وذاك لا يكفر بعشرات النواقض !! 

المثال الثاني : لو أن حاكما ترك تحكيم الشريعة وأتى بكتب التوراة أو الإنجيل وحكم بها اليوم ، هذا هذا يكون مسلما ؟؟ سيقولون لك : لا ، لأنهما يحتويان على الشرك بل حتى لو لم تكونا محرفتان ، فالحكم بهما كفرٌ اليوم لأنهما منسوخان ، وهذا معلوم من الدين بالضرورة ، بل من حَكَّمَ الياسق كفر إجماعا ، طيب هذا هو نفس جوابنا !! 

المثال الثالث : لو أنَّ حاكما يحمي الشرك في بلده ويدعمه ، ضفْ أنه يحكم بغير ما أنزل الله ، فهذا أغلب هذه الفرق الموحدة ستقول عنه كافر ، دون اللجوء للكلام عنه في حكمه بغير ما أنزل الله ، لأنه واقع في كفر مستقل آخر وهو الشرك . فيا جماعة ، ألم تنتبهوا أنكم غفلتم عن هذا المنحنى الخطير في كلامهم عن تحكيم القوانين ؟ 

واقع القوانين والمواد الذي تحتويه (نظام الدموقراطية نموذجا )

قبل أن تَنظُر وتُأصِّل الباب وتحتج بالنصوص ، ألق نظرة في حقيقة النظام الديموقراطي الذي هو يعتبر كفرا مستقلا بذاته ، خارجا عن مسألة التحكيم ، فلا يخفى على كل عاقل ، ما يحتويه النظام الديموقراطي من مواد كفرية ، بالعشرات بل بالمئات ، وأبرزها :                                                                 
1/ حرية الدين والإعتقاد والإلحاد . 
2/ مواد للعلمانية بل هي العلمانية نفسها لمن عرف مصدرها . 
3/ مواد في الحريات المطلقة ، فسب الدين مثلا لا يعد كفرا . 
4/ ومواد في وحدة الأديان . 
5/ مواد فصل الدين عن الدولة .                       
6/ مواد خاصة بحماية الشرك والقبور والأضرحة باسم التراث !! 7/ مواد في احترام الكفار ومولاتهم احترام دياناتهم . 
8/ مواد بالعشرات في نقض الحدود والسنن وتعطيلها تماما . 
9/ مواد في استحلال العشرات من المحرمات المجمع عليها المعلومة من الدين بالضرورة . 
10/ وأول مادة في كل الدساتير تنص على أن المرجعية للشعب وحكمه .!! 
11/ مواد في المساوات بين الناس خلافا للشرع ، وهي كفر واضح . 
12/ بل ومواد للطعن في التوحيد وووصفه بالإرهاب !! من ذلك تجريم تكفير المشركين وتجريم الجهاد ، والولاء والبراء ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، محاربة دعاة التوحيد وبقتل أو سجن وتعذيب أو طرد ، وأقل ما يفعلونه إيقافهم عن الدعوة !! وهناك نواقض كثيرة مستقلة يحكم بها الحكام في هذا النظام !! فهي طاغوت في حد ذاته يجب الكفر به وبمن يحكم بها ، فإيّاك أن تعتقد أن هذا ما قال فيه الصحابة كفر دون كفر!!                  
ولا أريد أن أطيل في ذكر المواد الكفرية التي يحتويه النظام الديموقراطي والعاقل يكفيه ذكر ناقض واحد من هذه المواد ليعرف حكم الحاكم بها .
فالخلاصة أن هذا النظام من أكبر الطواغيت العصرية ، ومن أكفر الأشياء على سطح الأرض بحتوائه ما سبق ذكره من النواقض ، ولهذا قال محمد بن إبراهيم في فتاويه عن النظام الدموقراطي : "وهو أعظمها وأشملها وأظهرها معاندة للشرع ، ومكابرة لأحكامه ومشاقة لله ولرسوله ، ومضاهاة بالمحاكم الشرعية إعداداً وإمداداً وإرصاداً وتأصيلاً وتفريعاً وتشكيلاً وتنويعاً وحكماً وإلزاماً ومراجع مستمدات ) [ (الفتاوى 12/284) ]  
فتخيل ، هل يعقل لو أنك سألت ابن عباس عن حاكم يحكم بوحدة الأديان مثلا فقط لا أقول بجميع ما ذكرته وما تركته للإختصار ، هل كان سيقول لك ــ والعياذ بالله ــ عمن يحكم بهذا : " هذا ليس الكفر الذي تذهب إليه إنه كفر دون كفر !! بل حشاه حبر هذه الأمة أن يقول هذا !! قد تقول : أعطيني مثالا عن الحكم بغير ما أنزل الله عند السلف . 

مثال أول : مثلا ما حكاه ابن قتيبة في الأشربة فقال : كَانَ ابْنُ هَرْمَةَ الشَّاعِرُ فِي شَرَفِهِ وَنَسَبِهِ وَجَوْدَةِ شِعْرِهِ يَشْرَبُ الْخَمْرَ بِالْمَدِينَةِ وَيَسْكَرُ فَلَا يَزَالُ الشُّرَطُ وَقَدْ أَخَذُوهُ وَرَفَعُوهُ إِلَى الْوَالِي فِي الْمَدِينَةِ فَحَدَّهُ فَوَفَدَ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ الْمَنْصُورِ وَقَدْ قَالَ فِيهِ الْمِدْحَةَ الَّتِي امْتَدَحَهُ بِهَا وَقَافِيَتُهَا لَامٌ فَاسْتَحْسَنَهَا وَقَالَ لَهُ : سَلْ حَاجَتَكَ قَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ تَكْتُبُ إِلَى عامل المدينة ، أن لا يَحُدَّنِي إِنْ وَجَدَنِي سَكْرَانًا فَقَالَ أبو جعفر المنصور : هَذَا حَدٌّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ وَمَا كُنْتُ لِأُعَطِّلَهُ ، فَهَلْ مِنْ حَاجَةٍ غَيْرَهُ ؟ قَالَ لَا وَاللَّهِ يا أمير المؤمنين فاحتمل لي بحلية فَكَتَبَ الْمَنْصُورُ إِلَى عَامِلِهِ مَنْ أَتَاكَ بِابْنِ هَرْمَةَ وَهُوَ سَكْرَانُ فاجلده مائة جلدة وَاجْلِدِ ابْنَ هَرْمَةَ ثَمَانِينَ فَرَضِيَ وَمَضَى بِكِتَابِهِ فَكَانَ الْعَوْنُ إِذَا مر به صرعا قَالَ: مَنْ يَشْتَرِي ثَمَانِينَ بِمِائَةٍ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهُ ) اهـــ . 
(قلت) أبو جعفر المنصور على ظلمه وطغيانه يأبى أن يعطل حدًّا واحدا مباشرة ، وهذا يعطيك صورة عمن هو أفضل منه ممن قبله كيف يقع عندهم الحكم بغير ما أنزل الله . 

ومثال آخر : ما قاله التابعي الجليل أبو مجلز فيما أخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ عَن أبي مجلز {وَمن لم يحكم بِمَا أنزل الله فَأُولَئِك هم الْكَافِرُونَ} قَالَ : نعم قَالُوا {وَمن لم يحكم بِمَا أنزل الله فَأُولَئِك هم الظَّالِمُونَ} قَالَ: نعم قَالُوا : فَهَؤُلَاءِ يحكمون بِمَا أنزل الله ؟ قَالَ نعم هُوَ دينهم الَّذِي بِهِ يحكمون ، وَالَّذِي بِهِ يَتَكَلَّمُونَ وَإِلَيْهِ يدعونَ فإذا تركُوا مِنْهُ شَيْئا ، علمُوا أَنه جور مِنْهُم ، إِنَّمَا هَذِه الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمُشْرِكُونَ الَّذين لا يحكمون بِمَا أنزل الله ) اهـ 

(قلت) فبين أن الترك الكلي واستبداله بغير كتاب الله لم يكن في حكام المسلمين في زمانهم ، إنما كان ذلك في أهل الكتاب والمشركين !! إنما الذي كان يقع في زمنهم مثل تعطيل لبعض الحدود لشهوة أو خوف وهم يعرفون أنه من الدين لا جاحدين به كما سبق ذكره في المثال الأول وهو يؤكده . ولهذا حكى الإجماع على تكفير من بدل الشرع غير واحد : فهذا االتكفير لمجرد التبديل ، فما بالك لو كان البديل هي هذه النواقض المستقلة !!       
قال ابن تيمية كما في الفتاوى (3/267) : والإنسان متى حلل الحرام المجمع عليه ، أو حرم الحلال المجمع عليه ، أو بدل الشرع المجمع عليه ، كان كافرا مرتدا باتفاق الفقهاء ) اهـــ  (قلت) كل جزء مما ذكره موجود في الديموقراطية كما سبق . وقال في مجموع الفتاوى (28/524) : وَمَعْلُومٌ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الْمُسْلِمِينَ وَبِاتِّفَاقِ جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ مَنْ سَوَّغَ اتِّبَاعَ غَيْرِ دِينِ الْإِسْلَامِ أَوْ اتِّبَاعَ شَرِيعَةٍ غَيْرِ شَرِيعَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ كَافِرٌ وَهُوَ كَكُفْرِ مَنْ آمَنَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَكَفَرَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا} {أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا} اهــــ 
وقال ابن كثير : من ترك الشرع المحكم المنزل على محمد خاتم الأنبياء عليه الصلاة والسلام ، وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر ، فكيف بمن تحاكم إلى الياسق وقدمها عليه ؟ من فعل ذلك كفر بإجماع المسلمين ) اهــ [البداية والنهاية (13/119)] (قلت) وكيف لو تحاكم لنظام كله مجموع نواقض كفرية مستقلة !! وقد نقل هذه الإجماعات عن بن تيمية وابن كثير الكثير ، مقرين ومحتجين بهذا الإجماع الذي على أقل أحواله أن يقال : لا يعلم له مخالف ممن يعتد به و بقوله ، ونقله أكثر النجديين مقرين له كعبد الرحمن بن حسن وعبد اللطيف وبن سحمان وحمد بن عتيق وغيرهم إلى زمن ابن براهيم والشنقيطي وأقرانهم .  
لكن الخطأ الذي عند هؤلاء هو إطلاقات مغلوطة تصدر منهم كما سبق في أقسام الناس في التعامل مع الآثار ، فهم يقولون بكفر القوانين السابقة ومن يحكم بها لكن عندما يجيؤون للنصوص والآثار الواردة يسيئون تحريفها أو تضعيفها أو تنزيلها ، وأحيانا يردون على السلف في قولهم : أن الأصل في الحكم بغير ما أنزل الله هو كفر أصغر !! أو يطلقون عبارات في أن الحاكم بغير ما أنزل الله طاغوت ، هكذا بإطلاق !! وهذا وذاك لا يصح قطعا بهذا الإطلاق بل فيه تفصيل . 
والسبب هو عدم توافق الواقع عندهم مع التنظير ، فحدث التناقض في أذهانهم لا في الحقيقة . ولهذا لا ينفع الحاكم بهذه المواد الكفرية الإعتراف بالخطأ ، فمن يكفر بالله ثم اعترف بأنه على خطأ هل ينفعه اعترافه إذا لم يتب منه ؟؟ 
ولهذا قال محمد بن براهيم في الفتاوى (6/189) : ولعلك أن تقول : لو قال من حكم القانون : أنا أعتقد أنه باطل ، فهذا لا أثر له بل هو عزل للشرع كما لو قال أحد أنا أعبد الأوثان وأعتقد أنها باطل ) اهـ 
أول من نحى الشريعة وحكم القوانين والآراء

ثم إن تنحية الشريعة ، وعدم الحكم بها ، واستبدالها بآراء الرجال لم تعرفه الأمة إلا في زمان التتر ، فهم أول من فعل ذلك فما كان من علماء ذاك العصر إلا الحكم عليهم بالكفر ، رغم كونهم يظهرون الإسلام ، ويعظمون شعائره حتى في حالهم وقالهم . ولا يظن أحد أن التتار وملكها كانوا كفار أصليين لا ينبغي الإحتجاج بهم في قضية التبديل ، فقد ذكر ابن كثير في البداية والنهاية (13/401) في حوادث سنة أربع وتسعين وستمائة أن ملك التتار قازان بن أرغون بن أبغا بن تولى بن جنكيز خان ، أسلم وأظهر الإسلام على يد الأمير توزون ودخلت التتار أو أكثرهم في الإسلام ، ونثر الذهب والفضة واللؤلؤ على رؤوس الناس يوم إسلامه ، وتسمى بمحمود ، وشهد الجمعة والخطبة ، وخرب كنائس كثيرة ، وضرب عليهم الجزية ، ورد مظالم كثيرة ببغداد وغيرها من البلاد وقال : وأما كتابه (الياسا) فإنه يكتب في مجلدين بخط غليظ ، ويحمل على بعير عندهم، وقد ذكر بعضهم أنه كان يصعد جبلاً ثم ينزل ثم يصعد ثم ينزل مراراً حتى يعيى ويقع مغشياً عليه ، ويأمر من عنده أن يكتب ما يلقى على لسانه حينئذ ، فإن كان هذا هكذا ، فالظاهر إن الشيطان كان ينطق على لسانه بما فيها وذكر الجويني أن بعض عبادهم كان يصعد الجبال في البرد الشديد للعبادة فسمع قائلاً يقول له : إنا قد ملكنا جنكيز خان وذريته وجه الأرض ، قال الجويني : فمشايخ المغول يصدقون بهذا ويأخذونه مسلماً ، ثم ذكر الجويني نتفاً من الياسا ، من ذلك : أنه من زنا قتل محصنا كان أو غير محصن، وكذلك من لاط قتل، ومن تعمد الكذب قتل، ومن سحر قتل، ومن تجسس قتل ، ومن دخل بين اثنين يختصمان فأعان أحدهما قتل ، ومن بال في الماء الواقف قتل ومن انغمس فيه قتل ، ومن أطعم أسيراً أو سقاه أو كساه بغير إذن أهله قتل ، ومن وجد هارباً ولم يرده قتل ، ومن أطعم أسيراً أو رمى إلى أحد شيئاً من المأكول قتل ، بل يناوله من يده إلى يده ، ومن أطعم أحداً شيئا فليأكل منه أولاً ، ولو كان المطعوم أميراً لا أسيراً ، ومن أكل ولم يطعم من عنده قتل ، ومن ذبح حيواناً ذبح مثله بل يشق جوفه ويتناول قلبه بيده يستخرجه من جوفه أولاً ، وفي ذلك كله مخالفة لشرائع الله المنزلة على عباده الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، فمن ترك الشرع المحكم المنزل على محمد بن عبدالله خاتم الأنبياء ، وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر ، فكيف بمن تحاكم إلى الياسا ، وقدمها عليه ؟ من فعل ذلك كفر بإجماع المسلمين قال الله : ( أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) وقال تعالى ( فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) اهـ [ البداية والنهاية (13/137-139) ] 

القرائن القوية على الإستحلال القلبي عند المبدل لشرع الله : 

كثير من الحكام يرفض مجرد الدعوة إلى تطبيق الشريعة !! فهل يقال : إنه ممن غلبت عليه شهوته ، فرضا أنه لم يكفر بتحكيم الديموقراطية !!! وتجدهم يقننون ويلزمون ويسمون أنفسهم بالسلطة التشريعية ، فهل من يقنن ويلزم يعاقب المخالف ويجبر الناس على التحاكم إليهم وعلى قبول أحكامهم مسلم إلا إذا استحل !!؟ ومثلها ما كان يحدث في القبائل من تحكيم العادات والتقاليد وترك الشريعة كلها فكفرهم العلماء بذلك ، هل قالوا بالإستحلال حينها في مثل هذا ؟؟ . أعمال المكفرة التي لا تحتاج لاستنطاق لوضوحها كما أن بعض الأعمال إذا رأيناها حكمنا بإسلام ذلك العامل دون أن نسأله هل نطقت بالشهادة أم لا ، كمثل من رأيناه يصلي ، أو من رأيناه لابسا للإحرام ويطوف بالبيت ، فلا يشك أحد في إسلام مثل هذا الشخص ، ما لم يظهر ناقضا ، فكذلك بعض الأعمال إذا رأيناها حكمنا بكفر العامل بها دون سؤال له ليش فعلت ذلك ؟ ومن خلافاتنا الجوهرية المؤثرة والفاصلة مع من لا يكفر محكم القوانين الديموقراطية إلا بالإستحلال ، قولهم أنه لا يوجد عمل هو كفر بمجرده إلا الشرك ، ويقصدون الشرك في العبادة    (الألوهية) قالوا أما البقية تحتاج إلى استحلال بالقول واستنطاق !! وحججنا عليهم والحمد لله كثيرة ، ويكفي ما سبق من أن هذه مواد كفرية حتى على مذهبكم !! ولكن سأخص أحد فروع هذه المسألة بالبحث وهي قضية العمل الكفري المجرد الذي لا يحتاج إلى استنطاق ، لأنه إذا جئنا بمثال واحد من ذلك انتهى الموضوع . فما بالك إذا كانت الأمثلة أكثر من واحد ، مع أن ناقض ترك الصلاة التي هي لوحدها تكفي لنقض تلك القاعدة ، فإذا قالوا : ترك الصلاة شرك وهو صحيح ، قلنا : ومن قال لكم أن تبديل شرع الله بالقوانين والتحاكم إليها ونقض الإسلام بمواد كفرية ليس من الشرك ؟؟ بل ما سنذكره من الصور الكفرية كلها داخلة تحت مسمى الشرك . 
وهذه المسائل اخترت منها عشرة وكلها كفر فيها أهل العلم دون شرط الإستحلال مع أنها مجرد أعمال بغير جحود وهاهي سوى ترك الصلاة : 
ـــ من تزوج امرأة أبيه : لما روي بسند صحيح عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: إِنِّي لَأَطُوفُ عَلَى إِبِلٍ ضَلَّتْ لِي فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنَا أَجُولُ فِي أَبْيَاتٍ، فَإِذَا أَنَا بِرَكْبٍ وَفَوَارِسَ إِذْ جَاءُوا فَطَافُوا بِفِنَائِي، فَاسْتَخْرَجُوا رَجُلًا ، فَمَا سَأَلُوهُ، وَلَا كَلَّمُوهُ ، حَتَّى ضَرَبُوا عُنُقَهُ ، فَلَمَّا ذَهَبُوا ، سَأَلْتُ عَنْهُ فَقَالُوا : عَرَّسَ بِامْرَأَةِ أَبِيهِ " ـــ مانع الزكاة الذي قاتل على منعها . 
ـــ من فر من صف المسلمين والتحق بالعدو وقف في صفهم .    ـــ إهانة المصحف ـــ قتل نبي ــــ تنجيس المسجد ـــ الإستهزاء بالدين عمليا .

ترك الحكم يصحبه عمل بغيره، ولهذا لجؤوا للديموقراطية . 

وهنا سؤال مهم قد يطرحه المخالف : وهو أن الإجماع المنقول عن الصحابة أنه لا يوجد شيء من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة ، فعلى هذا يكون ترك الحكم ليس بكفر إلا إذا اقترن بالإسحلال ؟ فالجواب
أولا : سبق ذكر الكفريات المستقلة الذي بُني عليه حكم تكفير الحاكم بالديموقراطية ، وهذه مسألة قاطعة فاصلة للنزاع ، ومع ذلك نقول لأصحاب هذه الشبهة : هذا الإجماع المنقول في حكم تارك الصلاة ، يتكلم عن التروك المجردة لا عن الأعمال الكفرية ، كما جاء في لفظ الراوي في قوله ( تركه كفر ) أما الأعمال التي تعتبر كفرا مجردا هي بالعشرات تقول بها أنت وأنا ، و لربما بالمئات كما يذكرونها في كتب النواقض العملية المطولة ، وفي كتب الفقه عند باب الردة ، وقد ذكرت هنا عشرة أمثلة منها وإلا فهي أكثر من عشرة . 
ثانيا : أن صاحب الإشكال لم ينتبه أيضا أن المبدل لشرع الله جمع بين الترك والعمل ، فإن تركه هو التخلي عن الحكم بشرع الله ، وعمله هو : تشريع القوانين مضادة لشرع الله الذي تركه ، والحكم بها والتحاكم إليها ، والإلزام بها ، وعقاب من خالفها ، فضلا عن كونها نواقض مستقلة !! 
ثالثا : أصلا لا يتصور في مثل هذه المسالة تركا بدون بديل من عمل كما قال تعالى مثلا ( لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر ) فمن لم يتقدم بالعمل والتقوى ، فلابد يتأخر وينقص ، وليس فيه وسط يتوقف عنده في مثل هذه الأشياء ، لكن لما كانت الصلاة هي التطبيق العملي للتوحيد كان تركها يعتبر تركا للتوحيد ، ومن ترك التوحيد فهو مشرك ، بخلاف ترك الصيام والحج يكون أيضا مجردا دون بديل واستبدال . فالتوحيد ليس فيه ترك مجرد ، ولهذا سمى محمد بن عبد الوهاب كتابه ( مفيد المستفيد في حكم تارك التوحيد ) أي حكم فاعل الشرك . ولهذا قال تعالى ( أقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين ) فمن ترك الصلاة فقد ترك عبادة الله ، ولابد إذن أن يستبدل ذلك بعبادة الشيطان . 
ففي الحقيقة ليس هناك ترك في التوحيد والصلاة تركا مجردا ، بخلاف الزكاة والصوم ونحوه يتصور فيهم الترك المجرد ، وبما أن التشريع والحكم داخل تحت أفراد الألوهيته والربوبيته فتركه تركا كليا لابد يؤدي مباشرة إلى استبداله بالشركيات والكفريات ، وهو ما حدث فعلا ، لما استبدلوا الشرع بالديموقراطية ، والله المستعان .

وإلى هنا انتهى المقال والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .....
كتبه أبو عبيد الجزائري .....





الاثنين، 30 أبريل 2018

حوار شاق مع مداهن يدعي السنة !!


بسم الله والصلاة والسلام على رسوله الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد : 

أرجو ألا تنزعج أيها القارئ إن وجدت في هذا المقال علامات تعجب كثيرة ، فموضوع هذه الأوراق كلها عجائب وغرائب ، وهذا حوار شاق ليس بشيق مع فئة من المداهنين يَدَّعُون السنة ، لا وبل يدعون التوحيد !! وكان السؤال العام لهذا الحوار هو : إذا سَكَتَّ أنت َ، وسَكَتُّ أنا ، فمنْ يُبَيِّنُ للنَّاسِ منْ هُمْ أهلَ الكُفْرِ والضِلالِ !! هذا سؤال مربك للمداهنين الجدد : .... للأسف محسوبين علينا !! يكتبون في كل شيء ...!! وينتقدون كل سطر ، ويُعَقِّبون على كل حرف ... !! وعندهم شجاعة رهيبة حاربوا من أجلها العالم ، وحاربهم الناس لقمعها ...!! فإذا ذكرت أسماء الشرك والتجهم بالكفر أصابهم الخرس !! والعجب أنه خرس فيه حكمة !! فعجبا كيف يصرخ المرجئة والجهمية والزنادقة فوق المنابر بتضليلنا ، بينما يقبع المداهنون في حلس بيوتهم لا تسمع إلا همسهم لحكمة !! 

يذكرني هذا بما روى في ذم الكلام (1349) قال حكى يحي بن عمار : أن قوما من الزنادقة كانوا في سرب يتناجون ، فحانت الصلاة فقام حلاج على المنارة يؤذن فقالوا : كيف يقوم دين يتناجى به الرؤساء ، مع دين يصرخ به حلاج !! . 

هذه هي الصورة الجديدة للمداهنين المنتسبين للسنة ـــ وَهْمًا ـــ اليوم ، وليتهم يتوقفون على صموتهم !! بل ينكرون على الموحدين تكفيرهم للمشركين ، وبيان كُفْرِ منْ كفَرْ !! كل ذلك ولا زال المداهن يدعي أن هذا من الحكمة والعقل !! وما نحن فيه تهور وحمق ونزعة خروج !! يا مداهن ، ويحك ، إذا لم تقل الحق ، فلا تقل الباطل !! ماذا لو داهن الإمام أحمد في المحنة كما يداهن هذا الساكت اليوم ؟ ماذا كان سيكون !! وماذا لو أرخوا الحبال على أبي حنيفة ، وسكتوا عنه لم يُبيِّنوا ضلاله ؟؟ بداية الحوار الشاق لا الشيق .... !! كل ما في هذا الحوار ، ليس قد وقع فعلا ، وإنما هو لسان حال هذه الفئة ، من خلاله تعرف بطلان ما هم عليه المداهنون المثبطون عن دعوة التوحيد . قال المداهن : أوصانا السلف : أن الزم الصمت وليسعك بيتك !! قلتُ : يا رجل من قال لك اعمل مظاهرات واصرخ !! أو اظهر في القنوات !! والله يكفينا منك إشارة غير صريحة نستخرجها بالمنقاش ، على أن جهمية العصر على غير ملة محمد صلى الله عليه وسلم !! فقد ضل الناس فيهم .... 

قال المداهن : هذا ليس واجب علي !! 

قلتُ : بل هو أوجب الواجبات ، وهو أصل دين الإسلام وقاعدته التي ينبغي أن تتعلمها وتبينها للناس : 

قال البربهاري في شرح السنة :" ولا يخرج أحدا من أهل القبلة من الإسلام حتى يرد آية من كتاب الله عزوجل أو يرد شيئا من آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم أو يصلي لغير أو يذبح لغير الله فقد وجب عليك أن تخرجه من الإسلام ." اهـ 

قال محمد بن عبد الوهاب : وأنت يا من من الله عليه بالإسلام وعرف أن ما من إله إلا الله ، لا تظن أنك إذا قلت : هذا هو الحق ، وأنا تارك ما سواه لكن لا أتعرض للمشركين ، ولا أقول فيهم شيئا ، لا تظن أن ذلك يحصل لك به الدخول في الإسلام ، بل لا بد من بغضهم ، وبغض من يحبهم ، ومسبتهم ومعاداتهم كما قال أبوك إبراهيم ، والذين معه : {إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} [سورة الممتحنة آية: 4] ، وقال تعالى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} الآية [سورة البقرة آية: 256] ، وقال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [سورة النحل آية: 36] ولو يقول رجل: أنا أتبع النبي صلى الله عليه وسلم وهو على الحق، لكن لا أتعرض اللات والعزى، ولا أتعرض أبا جهل وأمثاله، ما علي منهم; لم يصح إسلامه ) اهــــــ قال المداهن : أنا أبدعهم في نفسي !! قلتُ : فقط !! هذه عين المداهنة ، والغش لمن معك ...!! فاكتفاؤك بتبديع للمشرك والجهمي هو أصلا إرجاء وضلالة ، بل كفر !! وبسببه لم تُبين أن ما يقع الناس فيه اليوم عند القبور والتجهم الحاصل اليوم في قضايا الإيمان والصفات عند المشيخة !! هو من الشرك المخرج من الملة ، وأن فاعله غير معذور البتة ، ولم تكرر ذلك حتى حفظها الناس عنك ورسخت في قلوبهم !! كفاك تضليلا لمن حولك ، فقد أغرقتهم في بحر شيطانك الأخرس .

قال المداهن : أنت تريد المشاكل مع الناس والدول !! أنا لا أتكلم في التكفير !! 

قلت : إذا كنت تريد دعوة بلا مشاكل عليك بالتمثيل أو الفن ونحو هذا ، أو انخرط في حزب الإخوان والتبليغ مثلا . أما سبيل الرسل والأئمة والسلف قبلنا ، فكما هو لا يتبدل ، فقم به أو اقعد . 

قال : أباح الله لنا المداراة !! 

قلت هذه هي بليتك ، تداهن باسم المداراة !! أو أنك ما فهمت التوحيد أصلا ... وهو ظني بك . 
قال الآجري في كتابه الغراباء (ص78) : فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : افْرُقْ لَنَا بَيْنَ الْمُدَارَاةِ وَالْمُدَاهَنَةِ ؟ قِيلَ لَهُ : الْمُدَارَاةُ : الَّتِي يُثَابُ عَلَيْهَا الْعَاقِلُ , وَيَكُونُ مَحْمُودًا بِهَا عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , وَعِنْدَ مَنْ عَقَلَ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى هُوَ الَّذِي يُدَارِي جَمِيعَ النَّاسِ الَّذِينَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُمْ وَمِنْ مُعَاشَرَتِهِمْ لَا يُبَالِي مَا نَقَصَ مِنْ دُنْيَاهُ , وَمَا انْتُهِكَ بِهِ مِنْ عِرْضِهِ بَعْدَ أَنْ سَلِمَ لَهُ دِينُهُ , فَهَذَا رَجُلٌ كَرِيمٌ غَرِيبٌ فِي زَمَانِهِ. وَالْمُدَاهَنَةُ : فَهُوَ الَّذِي لَا يُبَالِي مَا نَقَصَ مِنْ دِينِهِ إِذَا سَلِمَتْ لَهُ دُنْيَاهُ , قَدْ هَانَ عَلَيْهِ ذَهَابُ دِينِهِ وَانْتِهَاكُ عِرْضِهِ , بَعْدَ أَنْ تَسْلَمَ لَهُ دُنْيَاهُ , فَهَذَا فِعْلُ مَغْرُورٍ , فَإِذَا عَارَضَهُ الْعَاقِلُ فَقَالَ: هَذَا لَا يَجُوزُ لَكَ فِعْلُهُ قَالَ : نُدَارِي فَيَكْسُو الْمُدَاهَنَةَ الْمُحَرَّمَةَ اسْمَ الْمُدَارَاةِ !! وَهَذَا غَلَطٌ كَبِيرٌ مِنْ قَائِلِهِ ) اهـــــ. 

قال المداهن : ما دام يداهنوننا فنحن كذلك ، نسكت عن كفرهم وضلالهم !!. 

قلتُ وهذه هي التي قالها الله تعالى { وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ } روى ابن أبي حاتم في تفسيره (11262) والطبري (18608) بسند جيد قال ابن زيد في قوله : {ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار } قال: "الركون" الإدهان وقرأ: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} قال : تركنُ إليهم ولا تنكر عليهم الذي قالوا ، وقد قالوا العظيمَ من كفرهم بالله وكتابه ورسله . 

(قلت) هل رأيت أن من المداهنة السكوت عن الكفر وأهله ، وعدم بيان ذلك للناس ، بتسمية الأسماء باسمها الذي سماها الله به . 
روى عبد الرزاق في تفسيره (3276) عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} قَالَ : « وَدُّوا لَوْ يُدْهِنُ رَسُولُ اللَّهِ فَيُدْهِنُونَ » 
قال الفراء في معانيه : يُقال: ودوا لو تلينُ فِي دينك ، فيلينون فِي دينهم . 
قال ابن قتيبة في تأويل مشكل القرآن (ص151) : أي تلين لهم في دينك فيلينون في أديانهم . 

قال المداهن : العالم لابد يكون حكيما ويعرف متى يتكلم !! 

قلتُ : العالم لا يداهن في بيان الحق كما هو عليه خاصة التوحيد والكفر . قال الآجري في كتابه في أخلاق العلماء (ص64) عن صفة العالم : شَدِيدُ الْبُغْضِ لِمَنْ عَصَى مَوْلَاهُ يُجِيبُ السَّفِيهَ بِالصَّمْتِ عَنْهُ , وَالْعَالِمَ بِالْقَبُولِ مِنْهُ , لَا مُدَاهِنٌ , وَلَا مُشَاحِنٌ وَلَا مُخْتَالٌ... ) اهــــ 
قال المداهن : هم ـــ يقصد المرجئة ـــ !! عرضوا علينا السكوت  وقد يجبروننا بالقوة أحيانا على هذا !! 

قلت : اسمع هذه الآية : قال تعالى : { وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ وَإِذاً لاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً } 
عن أبي عثمان الدمشقي قال : أوحى الله إلى موسى بن عمران : ولا تطع كل مداهن غرور ، واعلم بأن الدنيا دار تعز للظالمين. [مختصر تاريخ دمشق (29/66)] 

وروى عبد الرزاق (1597) عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ} قَالَ : أَطَافُوا بِهِ لَيْلَةً , فَقَالُوا: أَنْتَ سَيِّدُنَا وَابْنُ سَيِّدِنَا فَأَرَادُوهُ عَلَى بَعْضِ مَا يُرِيدُونَ , فَهَمَّ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنْ يُقَارِبَهُمْ فِي بَعْضِ مَا يُرِيدُونَ ثُمَّ عَصَمَهُ اللَّهُ " قَالَ : فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا} لِلَّذِي أَرَادُوا فَهَمَّ أَنْ يُقَارِبَهُمْ فِيهِ ." 

(قلت) يقول الله لي ولك يجب عليك أن نيبن للناس كفر الكافر وأن نعلمهم البراءة منه والكفر به ، فقلت أنت : لا من الحكمة السكوت ! وقال تعالى لي ولك : ( فاصدع بما تؤمر ) فقلت أنت : ليس هذا وقت الكلام في التوحيد وقضايا التكفير !! 
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب : ومعنى الكفر بالطاغوت : أن تبرأ من كل ما يعتقد فيه غير الله ، من جنى ، أو أنسى ، أو شجر ، أو حجر ، أو غير ذلك ، وتشهد عليه بالكفر ، والضلال ، وتبغضه ، ولو كان أنه أبوك أو أخوك ، فأما من قال أنا لا أعبد إلا الله ، وأنا لا أتعرض السادة ، والقباب على القبور ، وأمثال ذلك ، فهذا كاذب في قول لا إله إلا الله ، ولم يؤمن بالله ، ولم يكفر بالطاغوت ) اهـــــ. 
قلتُ : ثم اعلم أيها المداهن أن أقل أحوالك أن تكون عاجزا ، أما ادعاء أن طريقك هذا هو الحكمة والعقل فهذا باطل. روى ابن أبي شيبة في مصنفه (37137) وابن وضاح في البدع (219) والحاكم (8418) والداني في الفتن (241) بسند صحيح وصححه ووافقه ذاك الذهبي عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ : كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا انْفَرَجْتُمْ عَنْ دِينِكُمُ انْفِرَاجَ الْمَرْأَةِ عَنْ قُبُلِهَا , لَا تَمْنَعُ مَنْ يَأْتِيهَا ؟ فَقَالَ رَجُلٌ : قُبِّحَ الْعَاجِزُ قَالَ : بَلْ قُبِّحْتَ أَنْتَ. 
(قلت) لأن العاجز أهون من الواقع في الفتنة ، وليس معنى هذا أنه على خير وأنه عجزه هو الكيس !! بل قد فسره حذيفة رضي الله عنه فقال : فيما روى ابن أبي شيبة (37136) بسند جيد عن حُذَيْفَةُ «كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا بَرَكَتْ تَجُرُّ خِطَامَهَا فَأَتَتْكُمْ مِنْ هَاهُنَا وَمِنْ هَاهُنَا » , قَالُوا: لَا نَدْرِي وَاللَّهِ , قَالَ: « لَكِنِّي وَاللَّهِ أَدْرِي , أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَالْعَبْدِ وَسَيِّدِهِ ، إِنْ سَبَّهُ السَّيِّدُ لَمْ يَسْتَطِعِ الْعَبْدُ أَنْ يَسُبَّهُ , وَإِنْ ضَرَبَهُ لَمْ يَسْتَطِعِ الْعَبْدُ أَنْ يَضْرِبَهُ » روى الإمام أحمد بسنده عن أبي العالية قوله : يأتي على الناس زمانٌ تَخْرُبُ صدورُهم من القرآن، ولا يجدون له حلاوةً ولا لذاذةً ، إن قصّروا عما أُمِروا به قالوا : إن الله غفور رحيم !! وإن عملوا بما نُهوا عنه قالوا : سيُغفر لنا إنا لم نشرك بالله شيئا ! أمرُهم كلُّه طمع ليس معه صدق ، يلبسون جلود الضّأن على قلوب الذئاب أفضلهم في دِينه المداهِن ) اهــــ [ الزهد للإمام أحمد 1741] قلت أي أن أهونهم شرا المداهن . 

قال المداهن : أنا معذور لأني أخاف الناس يضرونني !!

قلت : بل هو جبن منك وعار ، دعا العصا حتى تكون فوق رأسك ثم قل هذا ، وإلا فأنت تذكر حوار أحمد وابن معين في هذا !!   
ولو كنت معذورا كما تدعي فلا تُلزم غيرك بخوفك وجبنك ، فعلى الأقل اعترف به ، وقد روي في الأثر مرفوعا : « لا يَمنعنَّ أَحدَكم مخافةُ الناسِ أَن يتكلَّمَ بالحقِّ إذا علمَهُ ». 
وروى المخلصي في الملخصيات (3028) عن بشر بن الحارث قال : مَع الناسِ تقيةٌ ، وليسَ مَعهم خوفُ. قال يا أخي لا تورطنا بمشاكل مع الناس فليس هذا من فعل أهل الحديث !! قلت تريد صنيع أهل الحديث ؟ هاك أمثلة إذن : 
وروى الهروي (1334) سمعت أبي يقول سمعت أبا سعيد الطالقاني غير مرة في مجلسه يلعن الكلابية ويصرح باسم رئيس فيهم ، وينسب أبا سعد إلى المداهنة . 
(قلت) لأنه سكت عن بيان كفر الأشعرية للناس .. قال الهروي في ذم الكلام (ص560) : فلا والله لا دين للمتناجين دين ، ولا رأي المستترين متين . 
وروى الهروي (1337) سمعت أحمد بن الحسن الخاموشي الفقيه الرازي في داره بالري في محفل يلعن الأشعرية ويطري الحنابلة . وروى الهروي (1346) سمعت أبا بكر عبد الرحمن بن منصور المقرئ يقول : سمعت أبا سعيد بن أبي سهل الفقيه الحنبلي ـــ ببست ــــ يلعنهم كل يوم بعد صلاة الغداة في المحراب في الجمع ويؤمنون . 
(قلت) أين هذه القوة في ذات الله اليوم !! 
وروى الهروي (ص586) عن محمد بن ابراهيم الماستوي حين ذكر أهل الكلام قال : فأما ركون ، أو إصغاء إلى استفتاء أحد منهم أو أخذ حديث عنهم ، فهو من عظائم أمور الدين . 
(قلت) وقد مضى أن من الركون السكوت عن بيان كفر الكافر . روى أبو نعيم في الحلية (1/85) وتاريخ ابن عساكر (7497) عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ الدِّمَشْقِيِّ قَالَ : نَادَى حَوْشَبٌ الْخَيْرِيُّ عَلِيًّا يَوْمَ صِفِّينَ فَقَالَ : انْصَرِفْ عَنَّا يَا ابْنَ أَبِي طَالِبٍ ، فَإِنَّا نَنْشُدُكَ اللهَ فِي دِمَائِنَا وَدَمِكَ ، نُخَلِّي بَيْنَكَ وَبَيْنَ عِرَاقِكَ ، وَتُخَلِّي بَيْنَنَا وَبَيْنَ شَامِنَا ، وَتَحْقِنُ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ ، فَقَالَ عَلِيٌّ : هَيْهَاتَ يَا ابْنَ أُمِّ ظُلَيْمٍ وَاللهِ لَوْ عَلِمْتُ أَنَّ الْمُدَاهَنَةَ تَسَعُنِي فِي دِينِ اللهِ لَفَعَلْتُ ، وَلَكَانَ أَهْوَنَ عَلَيَّ فِي الْمَؤُونَةِ ، وَلَكِنَّ اللهَ لَمْ يَرْضَ مِنْ أَهْلِ الْقُرْآنِ بِالْإِدْهَانِ وَالسُّكُوتِ وَاللهُ يُعْصَى ." 

قال المداهن : ما هذا التشدد خيار الناس يداهنون اليوم !!     

قلت : وإنْ ، أتريد المعمعة أو الحق !! وهل هذا يجعلها حلالا !! . وقد روى ابن ماجه والشجري كما في ترتيب الأمالي (2765) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ : مَا حَالُنَا إِذَا تَرَكْنَا الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَهُمَا أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ ؟ قَالَ : يَنْزِلُ بِكُمْ مَا نَزَلَ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا نَزَلَ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ ؟ قَالَ: تَفْشُو الْفَوَاحِشُ فِي شِرَارِكُمْ ، وَتَكُونُ الْمُدَاهَنَةُ فِي خِيَارِكُمْ وَيَكُونُ الْعِلْمُ فِي رُذَالِكُمْ ، وَتَكُونُ الْإِمْرَةُ فِي صِبْيَانِكُمْ " [ حسنه ذاك العراقي في تخريج الإحياء وتكلم فيه المنذري في ترغيبه ، وفي سنده ضعف ] 

قال المداهن : عندي مصالح مع الناس تضيع إذن !! 
قلت : هذا اعتراف مقيت ، وهو من النفاق المجانب للإيمان .        روى السلمي في آداب الصحبة (82) عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ : « تَعَامَلَ النَّاسُ بِالدِّينِ زَمَانًا طَوِيلًا حَتَّى ذَهَبَ الدِّينُ ، ثُمَّ تَعَاشَرُوا بِالْمُرُوءَةِ حَتَّى ذَهَبَتِ الْمُرُوءَةُ ، ثُمَّ تَعَاشَرُوا بِالْحَيَاءِ ثُمَّ تَعَاشَرُوا بِالرَّغْبَةِ وَالرَّهْبَةِ ، وَأَظُنُّهُ سَيَأْتِي بَعْدَ ذَلِكَ مَا هُوَ شَرٌّ مِنْهُ» 
وروى في كتابه الفتوة (ص35) عن أبي عبد الله القرشي يقول : لا يشم رائحة الصدق عبدٌ يداهن نفسه، أو يداهن غيره . 
قال أبو نعيم في مقدمة صفة المنافقين (ص31) : فَإِنِّي لَما رأيت الناس وَكثير منهم استخفوا بالاحتراز من النفاق ، وَاستهانوا بأن عرفوا بأخلاق المنافقين ، وَاستحسنوها وَاستجازوا المداهنة ، وَتألفوها .... وَالمراوغة وَالمخادعة وَاعتقدوها ، أحببت أن أجمع ما يحضرني من الآيات الواردة عَنِ اللَّه تعالى، في كتابه في ذم ذلك ) اهــــ. 
وفي حديث أَبِي هُرَيْرَةَ المشهور : من شر الناس ذو الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه . 

قال المداهن : إيش فيها تداري أهل البدع !

قلت : ومازلت تسميها مداراة ، كم يسمي الخمر باسم مشروب روحي !! 
روى ذاك البيهقي في شعب الإيمان (8117) قال سهل بن عبد الله التستري :... مُدَارَاةُ ذَوِي الْأَرْحَامِ سُنَّةٌ ، وَمُدَارَاةُ السُّلْطَانِ طَاعَةٌ ، وَمُدَارَاةُ أَهْلِ الْبِدَعِ مُدَاهَنَةٌ ) اهـ
روى عَبْدُ الرَّزَّاقِ (6822) عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ : أُخْبِرْتُ عَنْ بَعْضِ الْأَنْصَارِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ إِلَى بَعْضِ عُمَّالِهِ كِتَابًا يَعْهَدُ إِلَيْهِ : « خُذِ الصَّدَقَةَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ طُهْرَةً لِأَعْمَالِهِمْ ، وَزَكَاةً لِأَمْوَالِهِمْ ، وَحُكْمًا مِنْ أَحْكَامِ اللَّهِ ، الْعَدَاءُ فِيهَا حَيْفٌ ، وَظُلْمٌ لِلْمُسْلِمِينَ ، وَالتَّقْصِيرُ عَنْهَا مُدَاهَنَةٌ فِي الْحَقِّ ، وَخِيَانَةٌ لِلْأَمَانَةِ ... ) 

روى أبو نعيم في الحلية (7/50) عن عَبْدَ اللهِ بْنَ دَاوُدَ يَقُولُ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ يَقُولُ: « إِذَا كَانَ النَّاسِكُ جِيرَانُهُ عَنْهُ رَاضُونَ فَهُوَ مُدَاهِنٌ » 

قال المداهن : التكفير اليوم هو إلقاء بالنفس إلى التهلكة !! 

قلت : الموحد يجعل عرضه ونفسه دون دينه ، ولا يشرك بالله وإن قتل وحرق والناس في هذا مراتب حسب ما أعطاهم الله من قوة ، والسعيد من وفقه الله أن يقويه للدعوة كما هي دون إمرار ومداهنة ، ومن قتل دون هذا فهو عند الله شهيد . والدعوة جهاد بل من أعظم الجهاد ، فمتى صار الجهاد تهور وإلقاء بالنفس للتهلكة !! قال عمر ابن عبد العزيز كما في سيرة ابن عبد الحكم (ص137- 140) : وإنه قد بلغني أنه قد كثر الفجور فيكم، وأمن الفساق في مدائنكم، وجاهروا من المحارم بأمر لا يحب الله من فعله ولا يرضى المداهنة عليه، كان لا يظهر مثله في علانية قوم يرجون لله وقارا ، ويخافون منه غِيرًا وهم الأعزون الأكثرون من أهل الفجور ، وليس بذلك مضى أمر سلفكم ولا بذلك تمت نعمة الله عليهم ، بل كانوا {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّار} {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ} ولعمري إن من الجهاد في سبيل الله الغلظة على أهل محارم الله بالأيدي والألسن والمجاهدة لهم فيه وإن كانوا الآباء ، والأبناء ، والعشائر وإنما سبيل الله طاعته.
يقول الإمام إسحاق بن راهوية في كتابه لأبي زرعة : إني أزداد بك كل يوم سرورا فالحمد لله الذي جعلك ممن يحفظ سنته وهذا من أعظم مايحتاج إليه اليوم طالب العلم، وأحمد بن إبراهيم لا يزال في ذكرك الجميل حتى يكاد يفرط، وإن لم يكن فيك بحمد الله إفراط ، وأقرأني كتابك إليه بنحو ما أوصيتك من إظهار السنة ، وترك المداهنة فجزاك الله خيرا أقدم على ما أوصيتك ، فإن للباطل جولة ثم يضمحل ، وإنك ممن أحب صلاحه وزينه ، وإني أسمع من إخواننا القادمين ما أنت عليه من العلم والحفظ فأسر بذلك ." [ مقدمة الجرح والتعديل (ص341) ومناقب الإمام أحمد لابن الجوزي (ص122) وتاريخ دمشق ، وتهذيب التهذيب (7/32)]  

وَروى ابن ماجه بسند ضعيف عَن عبَادَة بن الصَّامِت قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أقِيمُوا حُدُود الله فِي الْقَرِيب والبعيد وَلَا تأخذكم فِي الله لومة لائم . 

روى أبو نعيم في تاريخ أصبهان (2/100) بسند ضعيف عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « لَيْسَ مِنْ أَخْلَاقِ الْمُؤْمِنِ الْمُدَاهَنَةُ وَالْمَلَقُ لَكِنِ الصِّدْقُ وَالرِّفْقُ » ..............

وبالله التوفيق

Share فضائح أبي الحسن الأشعري .pdf - 2 MB

السبت، 14 أبريل 2018

يا أخا الوهم : ( لا كفر إلا بجحود ) عقيدة جهم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد :

اعلم ـــ رحمك الله ـــ أن مقولة ( لا كفر إلا بجحود ) وعدم تكفير من وقع في النواقض القولية والفعلية إلا بالجحود هو عين ونص وكلام ومعتقد الجهمية بالحرف والصوت والصورة ، فيجب أن تعرف يا من لبس عليه بعض من ينتسب للسنة !! أن عبارة ( لا كفر إلا بجحود ) هو ترجمة عكسية لقول الجهمية ( الإيمان بالمعرفة ) بل هي ترجمة حرفية لها ، فالإيمان يقابله (عكسه) الكفر ، والمعرفة يقابلها (عكسها) الجحود . وليس هذا من باب الإلزام للجهمية فقط ، بل هو ما صرحت به الجهمية أنفسهم كما سيأتي فيما حكي عنهم . وكما أن الإيمان عند أهل السنة هو قول وعمل واعتقاد ، فكذلك عكسه الكفر، يكون بالقول والعمل والإعتقاد ، وهذا شيء يقوله أهل السنة بالنص ، هو من اللوازم . فلا أدري كيف يلتبس على بعض أهل السنة اليوم قول رؤوس الجهمية ( لا كفر إلا بجحود ) ويقولون هؤلاء فقط مرجئة ، ليسوا جهمية !! ومن يكفر المرجئة فيه نوع من ضلالة الخوارج !! شوف هذا الترتيب المبني على المقدمة الخاطئة !! وهذا في الحقيقة زيغة شنيعة في فهم عقيدة الإيمان عند الجهمية ، يخشى على من قال هذا القول جدا !! .

بيان قول الجهمية ( الإيمان هو المعرفة ) :
رتب الجهمية قولهم بأنه لا كفر إلا بجحود من الأصل الذي وضعوه في قولهم أن الإيمان هو المعرفة فقط ، فإذا فهمت هذه ، فهمت المسألة برمتها ، وقد كفر السلف الجهمية بهذا المعتقد منهم أحمد ووكيع وأبو عبيد والآجري وغيرهم .                        روى عبد الله في السنة (594) حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْأَشْعَثَ قَالَ : سَمِعْتُ الْفُضَيْلَ بْنَ عِيَاضٍ يَقُولُ : إِنَّ أَهْلَ الْإِرْجَاءِ يَقُولُونَ : إِنَّ الْإِيمَانَ قَوْلٌ بِلَا عَمِلٍ وَيَقُولُ الْجَهْمِيَّةُ : الْإِيمَانُ الْمَعْرِفَةُ بِلَا قَوْلٍ لَا وَعَمَلٍ ، وَيَقُولُ أَهْلُ السُّنَّةِ : الْإِيمَانُ الْمَعْرِفَةُ وَالْقَوْلُ وَالْعَمَلُ ". 

وروى الآجري في الشريعة (304) أَخْبَرَنَا خَلَفُ بْنُ عَمْرٍو الْعُكْبَرِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ قَالَ : سَمِعْتُ وَكِيعًا يَقُولُ : أَهْلُ السُّنَّةِ يَقُولُونَ : الْإِيمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ ، وَالْمُرْجِئَةُ يَقُولُونَ : الْإِيمَانُ قَوْلٌ ، وَالْجَهْمَيَّةُ يَقُولُونَ : الْإِيمَانُ الْمَعْرِفَةُ " 

تكفير السلف وأهل الحديث لمن قال لا كفر إلا بالجحود وأن المعرفة تنجي من الكفر القولي والعملي :

لو تذكر ـــ رحمك الله ـــ المناظرات مع أكثر رؤساء المرجئة المعاصرة (الجهمية) حيث كان بعض الطلبة ممن عرف الحق في مسألة الإيمان ، يلزمونهم بأمثلة من الكفر القولي والعملي ويمثلون على ذلك ، بكفر إبليس كمثال مشهور ، فيرفض هؤلاء المرجئة (الجهمية) هذا المثال ويصرون على أنه لا كفر إلا بجحود !! وتذكر ـــ رحمك الله ــ أنهم فروا إلى تحريف كل الأمثلة التي ألزموا بها من الأقوال والأعمال الكفرية ، أظن أنك أيها القارئ استحضرت كل هذا الكلام والوقائع ، فأكيد مرت عليك بعضها . فإذا علمت هذا ، فلتعلم أن نفس هذه الأمثلة وقعت في مع أهل الحديث قديما في تكفير الجهمية حيث احتجوا بنفس الأدلة والإلزامات ، مع نفس شبه الجهمية !!

روى الخلال في السنة (964 ــ ط آل حمدان) : أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، أَنَّ حَمْدَانَ بْنَ عَلِيٍّ الْوَرَّاقَ حَدَّثَهُمْ قَالَ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ، وَذُكِرَ عِنْدَهُ الْمُرْجِئَةُ، فَقُلْتُ لَهْ : إِنَّهُمْ يَقُولُونَ : إِذَا عَرَفَ الرَّجُلُ رَبَّهُ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ ، فَقَالَ : الْمُرْجِئَةُ لَا تَقُولُ هَذَا ، بَلِ الْجَهْمِيَّةُ تَقُولُ بِهَذَا ، الْمُرْجِئَةُ تَقُولُ : حَتَّى يَتَكَلَّمَ بِلِسَانِهِ ، وَتَعْمَلَ جَوَارِحُهُ ، وَالْجَهْمِيَّةُ تَقُولُ : إِذَا عَرَفَ رَبَّهُ بِقَلْبِهِ ، وَإِنْ لَمْ تَعْمَلْ جَوَارِحُهُ ، وَهَذَا كُفْرُ إِبْلِيسَ قَدْ عَرَفَ رَبَّهُ ، فَقَالَ : {رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي} قُلْتُ : فَالْمُرْجِئَةُ لِمِ كَانُوا يَجْتَهِدُونَ وَهَذَا قَوْلُهُمْ ؟ قَالَ : « الْبَلَاءُ » 

روى الخلال (1772) أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى، أَنَّ حَمْدَانَ بْنَ عَلِيٍّ حَدَّثَهُمْ، قَالَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ يَقُولُ: الْجَهْمِيَّةُ تَقُولُ: إِذَا عَرَفَ رَبَّهُ بِقَلْبِهِ، وَإِنْ لَمْ تَعْمَلْ جَوَارِحُهُ يَعْنِي، فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَهَذَا كُفْرُ إِبْلِيسَ ، قَدْ عَرَفَ رَبَّهُ بِقَلْبِهِ ، فَقَالَ: {رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي} .

قال أبو عبيد القاسم بن سلام في كتابه الإيمان (28) : قَدْ ذَكَرْنَا مَا كَانَ مِنْ مُفَارَقَةِ الْقَوْمِ إِيَّانَا فِي أَنَّ الْعَمَلَ مِنَ الْإِيمَانِ ، عَلَى أَنَّهُمْ وَإِنْ كَانُوا لَنَا مُفَارِقِينَ ، فَإِنَّهُمْ ذَهَبُوا إِلَى مَذْهَبٍ قَدْ يَقَعُ الْغَلَطُ فِي مِثْلِهِ ، ثُمَّ حَدَّثَتْ فِرْقَةٌ ثَالِثَةٌ شَذَّتْ عَنِ الطَّائِفَتَيْنِ جَمِيعًا لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَلَا الدِّينِ ، فَقَالُوا : الْإِيمَانُ مَعْرِفَةٌ بِالْقُلُوبِ بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ قولٌ وَلَا عملٌ !! وَهَذَا مُنْسَلِخٌ عِنْدَنَا مِنْ قَوْلِ أَهْلِ الْمِلَلِ الْحَنَفِيَّةِ ، لِمُعَارَضَتِهِ لِكَلَامِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالرَّدِ وَالتَّكْذِيبِ . 
(قلت) ومما يبين أن العكس هو قول الجهمية وأنه ناقض ، هو أن أبا عبيد بعد هذا الكلام ، ألزمهم الكفر لعدم تكفير من وقع في نواقض قوله وفعليه فقال : " وَزَعَمَتْ هَذِهِ الْفِرْقَةُ أَنَّ اللَّهَ رَضِيَ عَنْهُمْ بِالْمَعْرِفَةِ ! وَلَوْ كَانَ أَمْرُ اللَّهِ وَدِينُهُ عَلَى مَا يَقُولُ هَؤُلَاءِ مَا عُرِفَ الْإِسْلَامُ مِنَ الْجَاهِلِيَّةِ ، وَلَا فُرِّقَتِ الْمِلَلُ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ ، إِذْ كَانَ يَرْضَى مِنْهُمْ بِالدَّعْوَى عَلَى قُلُوبِهِمْ ، غَيْرَ إِظْهَارِ الْإِقْرَارِ بِمَا جَاءَتْ بِهِ النُّبُوَّةُ ، وَالْبَرَاءَةُ مِمَّا سِوَاهَا وَخَلْعِ الْأَنْدَادِ وْالْآلِهَةِ بِالْأَلْسِنَةِ بَعْدَ الْقُلُوبِ ، وَلَوْ كَانَ هَذَا يَكُونُ مُؤْمِنًا ثُمَّ شَهِدَ رَجُلٌ بِلِسَانِهِ ـــ [قلت : أي كفر قولي] ــــ أَنَّ اللَّهَ ثَانِي اثْنَيْنِ كَمَا يَقُولُ الْمَجُوسُ وَالزَّنَادِقَةُ ، أَوْ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ كَقَوْلِ النَّصَارَى ، وَصَلَّى لِلصَّلِيبِ [أي كفر عملي] وَعَبَدَ النِّيرَانَ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ قَلْبُهُ عَلَى الْمَعْرِفَةِ بِاللَّهِ ، لَكَانَ يَلْزَمُ قَائِلَ هَذِهِ الْمَقَالَةِ أَنْ يَجْعَلَهُ مُؤْمِنًا مُسْتَكْمِلًا الْإِيمَانَ كَإِيمَانِ الْمَلَائِكَةِ وَالنَّبِيِّينَ !! فَهَلْ يَلْفِظُ بِهَذَا أَحَدٌ يَعْرِفُ اللَّهَ أَوْ مُؤْمِنٌ لَهُ بِكِتَابٍ أَوْ رَسُولٍ ؟ وَهَذَا عِنْدَنَا كفرٌ لَنْ يَبْلُغَهُ إِبْلِيسُ فَمَنْ دُونَهُ مِنَ الْكُفَّارِ قَطُّ ! ) اهـــ
وقال الآجري في الشريعة (2/685) : وَمَنْ قَالَ : الْإِيمَانُ : الْمَعْرِفَةُ، دُونَ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ ، فَقَدْ أَتَى بِأَعْظَمِ مِنْ مَقَالَةِ مَنْ قَالَ: الْإِيمَانُ: قَوْلٌ وَلَزِمَهُ أَنْ يَكُونَ إِبْلِيسُ عَلَى قَوْلِهِ مُؤْمِنًا ، لِأَنَّ إِبْلِيسَ قَدْ عَرَفَ رَبَّهُ : قَالَ {رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي} وَقَالَ: {رَبِّ فَأَنْظِرْنِي} وَيَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ الْيَهُودُ لِمَعْرَفَتِهِمْ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ أَنْ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} فَقَدْ أَخْبَرَ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ اللَّهَ تَعَالَى وَرَسُولَهُ، وَيُقَالُ لَهُمْ : إِيشِ الْفَرَقُ بَيْنَ الْإِسْلَامِ وَبَيْنَ الْكُفْرِ ؟ وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ أَهْلَ الْكُفْرِ قَدْ عَرَفُوا بِعُقُولِهِمْ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا وَلَا يُنَجِّيهِمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبِرِّ وَالْبَحْرِ إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَإِذَا أَصَابَتْهُمُ الشَّدَائِدُ لَا يَدْعُونَ إِلَّا اللَّهَ، فَعَلَى قَوْلِهِمْ إِنَّ الْإِيمَانَ الْمَعْرِفَةُ كُلُّ هَؤُلَاءِ مِثْلُ مَنْ قَالَ : الْإِيمَانُ : الْمَعْرِفَةُ عَلَى قَائِلِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ الْوَحْشِيَّةِ لَعْنَةُ اللَّهِ بَلْ نَقُولُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ قَوْلًا يُوَافِقُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةِ، وَعُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ لَا يُسْتَوْحَشُ مِنْ ذِكْرِهِمْ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُنَا لَهُمْ : إِنَّ الْإِيمَانَ مَعْرِفَةٌ بِالْقَلْبِ تَصْدِيقًا يَقِينًا وَقَوْلٌ بِاللِّسَانِ ، وَعَمَلٌ بِالْجَوَارِحِ ، وَلَا يَكُونُ مُؤْمِنًا إِلَّا بِهَذِهِ الثَّلَاثَةِ ، لَا يُجْزِئُ بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى ذَلِكَ .  (قلت) والنصوص عن السلف في هذا المعنى كثيرة لا أريد الإطالة بذكرها والذي يريد الحق يكفيه دليل واحد ، أما المتعصب للشيوخ لو رأى مئات النقول لا يعبأ بها !!
ثم إن الجهمية على كفرها وفساد أقوالها تقول عن الأقوال والأفعال الكفرية مع أنها ليست في ذاتها كفرا حتى يجحد ، لكن هي دلالة على الكفر (!!) ويثبت بها الكفر في الأحكام الدنيوية ، أما الجهمية اليوم ـــ والذين يسميهم الملتبس عليه حكمهم (مرجئة)!! تقول هو مسلم في الدنيا والآخرة !! والكفر القولي والعملي لا أثر له إلا بالجحود !! فماذا بقي حتى يقال في هؤلاء أنهم (جهمية) بل أسوء من الجهمية في باب الإيمان !! وإذا كان السلف يسمون من أول صفة واحدة يسمى جهمي ، فمابلك بمن وافق الجهمي في أعظم أصولهم ؟؟؟ ولا يقال على هذا إيش فائدة تسميتهم بالجهمية !! فقد سبق نقل كلام أحمد وأبي عبيد والآجري في من يعتقد هذا الإعتقاد في الإيمان .
كلام أصحاب كتب الفرق والملل يؤكدون هذا الأمر :
وهذا الإعتقاد من الجهمية معروف حتى عند أصحاب كتب الفرق والملل على ضلالهم يعرفون هذا !! ولولا أنني مضطر لنقل كلامهم هنا لما نقلته لأنه ليس من عادتي إلا نقل الآثار وكلام أهل الحديث في بجوثي كما يعرف عني من قرأ بعض ما كتبت ، لكن بعض التعنت يشبه الجيفة للمضطر ، والمخالف يصرُّ أنهم مجرد مرجئة فقط !!                                                           ففيما نقله ذاك أبو الحسن الأشعري الجهمي في مقالاته (7/543 ، 544) وهو يحكي عقيدة الجهمية قال : وزعموا أن الكفر بالله هو الجهل به ، وهذا قول يحكى عن الجهم بن صفوان ) اهـــ . وقال أيضا : قال : وزعمت الجهمية أن الإنسان إذا أتى بالمعرفة ثم جحد بلسانه أنه لا يكفر بجحده وأن الإيمان لا يتبعض ولا يتفاضل أهله فيه ، وأن الإيمان والكفر لا يكونان إلا في القلب دون الجوارح ) .
وقال : أصحاب بشر المريسي يقولون : إن الإيمان هو التصديق لأن الإيمان في اللغة هو التصديق وما ليس بتصديق فليس بإيمان ويزعم أن التصديق يكون بالقلب وباللسان جميعا وإلى هذا القول كان يذهب ابن الراوندي وكان ابن الراوندي يزعم أن الكفر هو الجحد والإنكار والستر والتغطية وليس يجوز أن يكون الكفر إلا ما كان في اللغة كفرا ولا يجوز إيمان إلا ما كان في اللغة إيمانا وكان يزعم أن السجود للشمس ليس بكفر ولا السجود لغير الله كفر ولكنه علم على الكفر لأن الله بين أنه لا يسجد للشمس إلا كافر ) اهــــ  

وقال ذاك البغدادي الأشعري في كتابه الفرق (ص 193) : وكان بشر المريسي يقول فى الايمان أنه هو التصديق بالقلب واللسان جميعا كما قال ابن الروندى في أن الكفر هو الجحد والانكار وزعما أن السجود للصنم ليس بكفر ولكنه دلالة على الكفر ). قال : ( وزعم الصالحى أن الايمان هو المعرفة بالله تعالى فقط والكفر هو الجهل به فقط وأن قول القائل أن الله تعالى ثالث ثلاثة ليس بكفر لكنه لا يظهر إلا من كافر ) 

وقال ذاك الشهرستاني الأشعري في الملل والنحل (1/141) : وإلى هذا المذهب ميل ابن الرواندى وبشر المريسى قالا : الايمان هو التصديق بالقلب واللسان جميعا والكفر هو الجحود والإنكار، والسجود للشمس والقمر والصم ليس بكفر فى نفسه ولكنه علامة الكفر ) اهـــ. 

قال ابن حزم الجهمي الجلد في الفصل (3/239) : وقال هؤلاء : إن شتم الله عز وجل وشتم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس كفرا لكنه دليل على أن في قلبه كفرا ). وقال في المحلى 12/435 (ت: البنداري) : أما سب الله تعالى - فما على ظهر الأرض مسلم يخالف في أنه كفر مجرد , إلا أن الجهمية , والأشعرية - وهما طائفتان لا يعتد بهما - يصرحون بأن سب الله تعالى ، وإعلان الكفر ليس كفرا ، قال بعضهم : ولكنه دليل على أنه يعتقد الكفر ، لا أنه كافر بيقين بسبه الله تعالى - وأصلهم في هذا أصل سوء خارج عن إجماع أهل الإسلام وهو أنهم يقولون : الإيمان هو التصديق بالقلب فقط - وإن أعلن بالكفر - وعبادة الأوثان بغير تقية ولا حكاية , لكن مختارا في ذلك الإسلام . قال : وهذا كفر مجرد ، لأنه خلاف لإجماع الأمة ، ولحكم الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وجميع الصحابة ومن بعدهم ، لأنه لا يختلف أحد - لا كافر ولا مؤمن في أن هذا القرآن هو الذي جاء به محمد صلى الله عليه وآله وسلم وذكر أنه وحي من الله تعالى ، وإن كان قوم من الروافض ادعوا أنه نقص منه ، وحرف ، فلم يختلفوا أن جملته كما ذكرنا ، ولم يختلفوا في أن فيه التسمية بالكفر ، والحكم بالكفر قطعا على من نطق بأقوال معروفة كقوله تعالى {لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم} وقوله تعالى { ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم } فصح أن الكفر يكون كلاما ، وقد حكم الله تعالى بالكفر على إبليس - وهو عالم بأن الله خلقه من نار وخلق آدم من طين - وأمره بالسجود لآدم وكرمه عليه - وسأل الله تعالى النظرة إلى يوم يبعثون ) اهـــ .

ويقول ابن تيمية في كتابه الإيمان (ص178) : ومن هنا يظهر خطأ قول جَهْم بن صَفْوان ومن اتبعه ، حيث ظنوا أن الإيمان مجرد تصديق القلب وعلمه، لم يجعلوا أعمال القلب من الإيمان، وظنوا أنه قد يكون الإنسان مؤمناً كامل الإيمان بقلبه ، وهو مع هذا يسب الله ورسوله ، ويعادي الله ورسوله ، ويعادي أولياء الله ، ويوالي أعداء الله ، ويقتل الأنبياء، ويهدم المساجد ، ويهين المصاحف ، ويكرم الكفار غاية الكرامة ، ويهين المؤمنين غاية الإهانة ، قالوا : وهذه كلها معاص لا تنافي الإيمان الذي في قلبه، بل يفعل هذا وهو في الباطن عند الله مؤمن قالوا : وإنما ثبت له في الدنيا أحكام الكفار لأن هذه الأقوال أمارة على الكفر ليحكم بالظاهر كما يحكم بالإقرار والشهود ، وإن كان في الباطن قد يكون بخلاف ما أقر به وبخلاف ما شهد به الشهود ، فإذا أورد عليهم الكتاب والسنة والإجماع على أن الواحد من هؤلاء كافر في نفس الأمر معذب في الآخرة، قالوا: فهذا دليل على انتفاء التصديق والعلم من قلبه، فالكفر عندهم شيء واحد وهو الجهل، والإيمان شيء واحد وهو العلم، أو تكذيب القلب وتصديقه، فإنهم متنازعون: هل تصديق القلب شيء غير العلم أو هو هو ؟ وهذا القول، مع أنه أفسد قول قيل في الإيمان، فقد ذهب إليه كثير من أهل الكلام المرجئة ، وقد كفَّر السلف كوَكِيع بن الجراح، وأحمد بن حنبل وأبي عبيد وغيرهم من يقول بهذا القول ، وقالوا إبليس كافر بنص القرآن ، وإنما كفره باستكباره وامتناعه عن السجود لآدم ، لا لكونه كذب خبراً ) اهــــ .
وقال بن تيمية في الفتاوى ( 7 / 557 ) : ( فهؤلاء القائلون بقول جهم والصالحي قد صرحوا بأن سب الله ورسوله ، والتكلم بالتثليث وكل كلمة من كلام الكفر ليس هو كفرا في الباطن ، ولكنه دليل في الظاهر على الكفر ، ويجوز مع هذا أن يكون هذا الساب الشاتم في الباطن عارفا بالله موحدا مؤمنا به ) اهـــ .
(قلت) لعلك عرفت الآن أن عقيدة العذر بالجهل وعدم تكفير المشركين هي من صميم اعتقاد الجهمية ، ومن تفريعاتها على قضية الإيمان أنه المعرفة وأن الكفر لا يكون إلا بالجحود أو باعتقاد على حد تعبيرهم ، فانتبه ولا تتعصب لشيخك فقط أزلك معه واسمع لغيره تعرف خطأ شيخك كما قال أيوب السختياني .  بل أزيدك من الشعر بيتا : إقرأ هذا الفصل :                          عقيدة العذر بالجهل عند الجهمية اليوم هو قول المعتزلة :
نقل ذاك القاضي عياض وابن قدامة والزركشي وابن تيمية عن الجاحظ والعنبري وثمامة وهم من رؤوس المعتزلة أنهم قالوا : كل من أخطأ في معرفة الرب مع اجتهاده فهو معذور !! وإن مات جاهلا لم يعاقب . [ أنظر المسودة في أصو الفقه (ص490) والبحر المحيط (7/236) ]                                           

وجاء في الشفا لعياض (ص280)  : وقائل هذا كافر بالإجماع على كفر من لم يكفر أحدا من اليهود والنصارى وكل فارق دين المسلمين أو وقف في تكفيرهم أو شك ... قال : فمن وقف في ذلك فقد كذب النص والتوقيف أو الشك فيه والتكذيب أو الشك فيه لا يقع إلا من كافر . ) اهـــ 

وهذا المعتقد نفسه هو معتقد بن جرجيس الجهمي وصرح به ، كما بين إسحاق بن عبد الرحمن في تكفير المعين (ص179 ــ من عقدية الموحدين ) ] 

اغترار المرجئة (الجهمية) ببعض أسماء الجهمية المنتسبين للحديث والسنة زورا :
قد تقول : كيف وقع هؤلاء المرجئة في عقائد الجهمية ، ومن أين دخل عليهم هذا !! فالجواب : لا تظن أن من تسميهم بالمرجئة وقعوا على مخطوطات لكتب المريسي وجهم بن صفوان فاعتقدوا ما فيها واتبعوه ، فالأمر لا يحتاج هذا العناء وهذه الفضيحة ، فإن للمريسي وجهم أبناء من بني جلدتنا ويتكلمون بألستنا ينشرون مذهب لا كفر إلا بجحود ( عقيدة الجهمية ) باسم السنة والسلف !! واليك أسماء بعضهم وما قالوه :
1/ قال ذاك الطحاوي في عقيدته التي يدرسها المرجئة اليوم ويتحاكمون إليها : لا يخرج العبد من الإيمان إلا بجحود ما أدخله فيه . وقال في شرح مشكل الآثار (8/204) : .. وإسلامه كان بإقراره بالإسلام وكذلك ردته لا تكون إلا بجحوده الإسلام . علق الألباني على الطحاوية فقال : وهذا فقه جيد وكلام متين لا مرد له .
2/ قال أبو الحسن الأشعري : ولا يخرج من الإيمان إلا بإنكار شيء من ذلك . [ نقله عنه الشهرستاني في الملل (1/101) ]
3/ القاضي عياض : والذي كان يتظاهر بتكفير الجاحظ والعنبري وهو في الحقيقة تلاعب فهو على مذهبهم ، فقد قال في كتابه الشفا (2/619) : والقول عندي أن الكفر بالله هو الجهل بوجوده ، والإيمان بالله : هو العلم بوجوده ) اهـــ .
4/ البيهقي ذاك الجهمي المغتر به : قال في كتابه شعب الإيمان (1/92) : إذا كان الإيمان بالله أو برسوله : الإعتراف به ، والإثبات له ، كان الكفر جحوده والنفي له والتكذيب ) اهــ .  

(قلت) فهذه بعض أسماء من المشاهير الذي يقرأ لهم ويكثر عنهم المعاصرون دون علم بما هم عليه من التجهم أو بعلم مع التميع والتحريف !! وقد تركت أسماء كثيرة ممن يقول بمقولة الجهمية ( لا كفر إلا بجحود ) اختصارا . فلعلك لاحظت أنهم يلتزمون باللازم من اعتقاد أن الإيمان هو المعرفة ويصرحون بأنه عكسه صحيح أي لا كفر إلا بجحود !! ، فهذا يدلك على أن من قال اليوم لا كفر إلا بجحود فلا يغرك أن قال بعد ذلك الإيمان قول وعمل ، فهو يكذب ويتحايل عليك فقط بالألفاظ ، وهي خدعة قديمة نبه عليها السجزي في رسالة الحرف والصوت .
طيب الآن ما رأيك : هل هؤلاء مرجئة فقط !!!!! ؟؟؟؟  
وهل رأيت كيف كان السلف كأحمد وأبو عبيد وغيرهم يرمونهم بالكفر !! 
هل مازلت تعتقد أن من يرمي هؤلاء القائلين بأنه (لا كفر إلا بجحود) بالكفر والتجهم ، بأنه خارجي !! 
أم أن فيك لوثة من الإرجاء !! حين ترمي أهل التوحيد بالخروج !! فكَّرْ وقدِّرْ ( وحدك أو مثنى ) .... 
ودع العقل الجماعي فإنه لا ينفع ... لا نريد الإطالة .....





الأربعاء، 4 أبريل 2018

الدر والياقوت في ما ورد من الآثار في صفة الكفر بالطاغوت

http://www.mediafire.com/file/tmt081boh7uhrvj/%D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%B1_%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A7%D9%82%D9%88%D8%AA_%D9%81%D9%8A_%D9%85%D8%A7_%D9%88%D8%B1%D8%AF_%D9%85%D9%86_%D8%A7%D9%84%D8%A2%D8%AB%D8%A7%D8%B1_%D9%81%D9%8A_%D8%B5%D9%81%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D9%83%D9%81%D8%B1_%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%A7%D8%BA%D9%88%D8%AA.pdf

الجمعة، 16 مارس 2018

Share تصحيح الإعتقاد بما في السموات والأرض.pdf - 4 MB

Share تصحيح الإعتقاد يما في السموات والأرض.pdf - 4 MB

وفيه بيان الإعتقاد الصحيح أن الأرض مسطحة ثابتة بالأدلة من الوحي والآثار والإجماع الصحيح عن السلف مدعما بالأدلة العلمية العقلية الفاضحة لصور ناسا وما تنشره من خدع وكذب للعالم

الاثنين، 29 يناير 2018

مدونة أبي عبيد الجزائري للحديث والأثر: الموقف من حديث الإستلقاء

الموقف من حديث الإستلقاء

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد :

هذا فصل في تخريج لحديث الإستلقاء المشهور الذي دار حوله نقاش كبير وخلاف بين المتأخرين ولم نجد له عن أئمة النقد من المتقدمين أي كلام !! ، وإلا لكان حجة لنا ننهي بها الموضوع ، والغرض من هذا المقال هو بيان تخريجه وحكم الجلسة التي وردت في الحديث ، ومن أراد التوسع فليرجع إلى ما علقه عادل آل حمدان في كتاب الدشتي إثبات الحد (53) فقد أطال في التعليق عليه بكلام طويل على أني لي ملاحظات في جزمه بصحة هذا الحديث ففي ذلك نظر فالأقرب ضعفه. 

حديث قتادة بن النعمان رضي الله عنه : عَنْ عُبْيد بْنِ حُنَيْنٍ قَالَ : بَيْنَا أَنَا جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ ، إِذْ جَاءَهُ قَتَادَةُ بْنُ النُّعْمَانِ ، فَجَلَسَ فَتَحَدَّثَ ، ثُمَّ ثَابَ إِلَيْهِ نَاسٌ فَقَالَ : انْطَلِقْ بِنَا يَا ابْنَ مُنَيْنٍ إِلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، فَإِنِّي قَدْ أُخْبِرْتُ أَنَّهُ قَدِ اشْتَكَى قَالَ : فَانْطَلَقْنَا حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى أَبِي سَعِيدٍ ، فَوَجَدْنَاهُ مُسْتَلْقِيًا رَافِعًا إِحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى ، فَسَلَّمْنَا وَقَعَدْنَا ، فَرَفَعَ قَتَادَةُ يَدَهُ فَقَرَصَهُ قَرْصَةً شَدِيدَةً ، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: أَوْجَعْتَنِي. قَالَ : ذَلِكَ أَرَدْتُ ، أَلَمْ تَسْمَعْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : « لَمَّا قَضَى اللَّهُ خَلْقَهُ ، اسْتَلْقَى ، ثُمَّ وَضَعَ إِحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى » ثُمَّ قَالَ : لَا يَنْبَغِي أَنْ يُفْعَلَ مِثْلُ هَذَا ، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ : نَعَمْ . 
 تخريج هذا الحديث : 
 أخرجه ابْن أبي عَاصِم فِي السّنة (248/1-249) ومن طريقه أبو نعيم في معرفة الصحابة (5752) وابن منده في المعرفة (2/132/1) وأبو نصر الغازي في جزء من الأمالي (77/1) والْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات (ص355-356) وأخرجه الطبراني في الكبير (19/13) ورواه ابن أبي يعلى في إبطال التأويلات (179) وقال (183) وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَلالُ هَذَا الْحَدِيثَ فِي سُنَنِهِ ، ورواه أبو موسى المديني في جزء مخطوط بعنوان ( الكلام على حديث الاستلقاء لأبي موسى المديني الحافظ ) لم يوجد منه إلا أول صفحة السند ، ورواه الدشتي في إثبات الحد (53) وابن المحب في الصفات (1/241/أ) وذكره بدون سند الدرامي في كتابه النقض على بشر المريسي العنيد (ص311) 
 بيان طرق هذه الرواية : 
رواه عن قتادة بن النعمان رواه عنه كل من : عبيد بن حنين وسعيد بن يسار أبو الحباب وبسر بن سعيد وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة . 
وراه عن عبيد بن حنين سعيد بن الحارث وعنه فليح بن سليمان وعنه ابنه محمد . 
رواه عن محمد بن فليح : ابراهيم بن المنذر :                    وعن إبراهيم انتشر جدا : فرواه عنه ابن أبي عاصم وجعفر بن سليمان النوفلي وأحمد بن رشدين وأحمد بن داود المكي وأحمد بن الحسين الرقي ومحمد بن إسحاق الصاغاني ومحمد بن المصفى وحمد بن المبارك الصوري وابن الأصفر وغيرهم .  

الكلام على هذا الإسناد ورجاله : 
مداره على محمد بن فليح عن أبيه وفيهما كثر الكلام من حيث هذا الإسناد وإليك البيان : أولا : أما محمد بن فليح بن سليمان الأسلمي ويقال الخزاعي المدني ت 197 هـ . قال أبو زرعة : ( فليح بن سليمان ، ضعيف الحديث إلا أنه من حسن حديثه نعمة) وقيل له: فليح؟ فحرك رأسه ، وقال ( واهي الحديث، هو وابنه ، محمد بن فليح جميعا واهيان ) قال العقيلي في الضعفاء (1682) مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحِ بْنِ سُلَيْمَانَ مَدِينِيٌّ لَا يُتَابَعُ فِي بعض حَدِيثِهِ . علق ذاك الذهبي على العقيلي في تاريخه (291) : قلت : كثير مِن الثَّقات قد تفردوا ، فيصحّ أن يقال فيهم لا يُتابَعُون عَلَى بعض حديثهم !!. 
أما يحي بن معين : فقد لخص المعلمي الكلام عن مرويان بن معين فيه فقال في التنكيل (229) محمد بن فليح بن سليمان. مرت الإشارة إلى حكايته في ترجمة سليمان بن فليح «يقول عنه ابن معين : إنه ليس بثقة» أقول: روى أبو حاتم عن معاوية بن صالح عن ابن معين: «فليح بن سليمان ليس بثقة، ولا ابنه» . فسئل أبو حاتم فقال: «ما به بأس، ليس بذاك القوى» وقد اختلفت كلمات ابن معين في فليح قال مرة: «ليس بالقوي ولا يحتج بحديثه، هو دون الدراوردي» وقال مرة: «ضعيف ما أقربه من أبي أويس» وقال مرة: «أبو أويس مثل فليح: صدوق وليس بحجة» . فهذا كله يدل أن قوله في الرواية الأولى: «ليس بثقة» ، إنما أراد أنه ليس بحيث يقال له ثقة وترداد الوطأة خفة في قوله: «ولا ابنه» فإنها أخف من أن يقال في الابن: «ليس بثقة» ويتأكد ذلك بأن محمد بن فليح روى عنه البخاري في (الصحيح) والنسائي في (السنن) وقال الدارقطني: «ثقة» وذكره ابن حبان في (الثقات) . 
أما الدارقطني : قَال في التهذيب : قال الدارقطني ثقة روى عنه عَبد الله بْن وهب مع تقدمه ) اهــ وقال في حديثٍ هو فيه : "إسناد ثابت". 
(قلت) أما رواية البخاري له في صحيحه فقد أخرج نسخة من روايته عن أبيه ... توبع على أكثرها عنده ، وله عند البخاري نسخة أخرى توبع عليها ، واجتنبه مسلم فلم يخرج له شيئا . [ انظر الجرح والتعديل ج 4/ ق1/ 59، تهذيب التهذيب ج 9/ 406- 407، ميزان الاعتدال ج 4/ 10، هدي الساري (ص441-442) ] 

الثاني : أما فليح بن سليمان : في تاريخ بن معين برواية الدوري (766) سَمِعت يحيى وَذكر فليح بن سُلَيْمَان فَلم يقو أمره . وفي سؤالات ابن الجنيد (817) سألت يحيى عن فليح بن سليمان فقال: ضعيف الحديث . 
وفي سؤالات ابن أبي شيبة لابن المديني (137) وَسَأَلت عليا عَن فليح بن سُلَيْمَان فَقَالَ كَانَ فليح وَأَخُوهُ عبد الحميد ضعيفين . وقال النسائي في ضعفاءه (486) فليح بن سُلَيْمَان لَيْسَ بِالْقَوِيّ مدنِي . وفي ضعفاء أبي زرعة (2/366) قال : "فليح بن سليمان ، ضعيف الحديث . وفي الجرح والتعديل (7/85) عن يحيى بن معين انه قال فليح بن سليمان ليس بقوى ولا يحتج بحديثه، وهو دون الدراوردى والدراوردى اثبت منه، نا عبد الرحمن قال سألت ابى عن فليح بن سليمان فقال ليس بالقوى . وقال ابن عدي : لفليح أحاديث صالحة يروي عن الشيوخ من أهل المدينة أحاديث مستقيمة وغرائب وقد اعتمده البخاري في صحيحه ، وروى عنه الكثير ، وهو عندي لا بأس به". وقال أبو أحمد الحاكم : ليس بالمتين عندهم" . وقال البرقي عن ابن معين: "ضعيف وهم يكتبون حديثه، ويشتهونه". وقال الساجي: "هو من أهل الصدق ويهم" وذكره ابن حبان في الثقات. [ وانظر ترجمته وأقوال العلماء فيه في : تهذيب التهذيب (8/ 303- 305) وميزان الاعتدال (3/365) وهدي الساري (ص435) ] 

علة ثانية في السند : وهي تخص رواية عبيد بن حنين عن النعمان قيل منقطع . قال ابن رجب وبدر الدين بن جماعة : وفي الحديث علة أخرى وهي أن قتادة بن النعمان مات في خلافة عمر رضي الله عنه ، وعبيد بن حنين مات سنة خمس ومائة وله خمس وسبعون سنة في قول الواقدي فتكون روايته عن قتادة بن النعمان منقطعة . [ راجع فتح الباري (3/406) ]

الطريق الثاني عن سعيد الخدري : 

رواه أبو النضر ، وهو سالم بن أبي أمية القرشي . يرويه يونس بن محمد والحسن بن سوار كلاهما عن الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي النضر به ، ولفظه : عَنْ أَبِي النَّضْرِ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ كَانَ يَشْتَكِي رِجْلَهُ فَدَخَلَ عَلَيْهِ أَخُوهُ وَقَدْ جَعَلَ إِحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى وَهُوَ مُضْطَجِعٌ ، فَضَرَبَهُ بِيَدِهِ عَلَى رِجْلِهِ الْوَجِعَةِ فَأَوْجَعَهُ، فَقَالَ : أَوْجَعْتَنِي ، أَوَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ رِجْلِي وَجِعَةٌ ؟ قَالَ : بَلَى ، قَالَ : فَمَا حَمَلَكَ عَلَى ذَلِكَ ؟ قَالَ " أَوَلَمْ تَسْمَعْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ نَهَى عَنْ هَذِهِ ؟. 

رواه أحمد (11375) والحارث ابن أبي أسامة (زوائده/861) وأحمد بن منيع كما في المطالب العالية (2830) لكن هذه الرواية ، ليست فيها الزيادة التي في الرواية الأولى وبهذا أعله ابن رجب في الفتح الباري (3/406) وهذه علة تبدو في ظاهرها قوية !! قوله (دخل عليه أخوه) هو قتادة بن النعمان كما هو جد واضح ، فعاد الحديث إليه ، وبهذا جزم به ابن رجب في الفتح الباري (3/406) و لما قال ذاك العسقلاني في أطراف المسند (6/356) أخو أبي سعيد كأنه قتادة بن النعمان ، لأنه أخوه لأمه )        علق عليه أحمد شاكر في تحقيق المسند عند حديث (11375) فقال : قلنا جاء مصرحاً به في رواية عند الطبراني في الكبير (19/ (18) (قلت) وقد عاد ذاك العسقلاني وجزم بأنه قتادة بن النعمان في المطالب العالية (2811) .                              
قال الهيثمي في المجمع (8/100) رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح إلا أن أبا النضر لم يسمع من أبي سعيد . وقال البوصيري في المجردة (2/158) رواه ابن منيع والحارث وأحمد وسنده صحيح . 
(قلت) أما الإنقطاع الذي ذكره الهيثمي ، فإننا قد عرفنا الواسطة وهما : إما أبو الحباب سعيد بن يسار وإما عبيد بن حنين ، غير أن عبيد بن حنين عن النعمان قيل منقطع ، كما سبق وهذا يشكل على الإتصال هنا ، ويبقى الإشكال أيضا أن رواية الليث هذه بدون تلك الزيادة في الرواية الأولى . 
 ذكر من صحح سند عن هذا الحديث : 
أبو بكر الخلال : قال ابن أبي يعلى في إبطال التأويلات : قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْخَلالُ : هَذَا حَدِيثٌ إِسْنَادُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ ، وَهُمْ مَعَ ثِقَتِهِمْ شَرْطُ الصَّحِيحَيْنِ مُسْلِمٍ وَالْبُخَارِيِّ . 
أبو نصر الغازي قال في الأمالي (77/1) : إن رواة طريق قتادة من رجال الصحيح . 
القاضي أبو يعلى : فقد روى حديث قتادة بن النعمان المنكر ، وقال : هَذَا حَدِيثٌ إِسْنَادُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ ، وَهُمْ مَعَ ثِقَتِهِمْ شَرْطُ الصَّحِيحَيْنِ مُسْلِمٍ وَالْبُخَارِيِّ " [ إبطال التأويلات (ص189) ] . ابن القيم الجوزية : قال : " وَرَوَى الْخَلَّالُ فِي كِتَابِ السُّنَّةِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ عَنْ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( لَمَّا فَرَغَ اللَّهُ مِنْ خَلْقِهِ اسْتَوَى عَلَى عَرْشِهِ )" [ أنظر اجتماع الجيوش (2/ 107) والصواعق (4/1522) ] . 
 وقال ابن عبد الهادي في الكلام على مسألة الإستواء (ص38) : رواه الخلال بإسناد على شرط الشيخين . 

وقال الذهبي في العلو (ص63) :حَدِيث قَتَادَة بن النُّعْمَان سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول لما فرغ الله من خلقه اسْتَوَى على عَرْشه ) رُوَاته ثِقَات ، رَوَاهُ أَبُو بكر الْخلال فِي كتاب السّنة لَهُ . 
وقال في العرش (62) رواه الخلال في السنة بإسناد صحيح على شرط الصحيحين. 
 قال الحافظ أبو موسى المديني : رواه ابن الأصفر عن إبراهيم بن محمد بن فليح عن أبيه عن سالم أبي النضر عن أبي الحباب سعيد بن يسار عن قتادة، ورواه محمد بن المبارك الصوري عن إبراهيم بن المنذر عن محمد بن فليح عن أبيه عن سالم أبي النضر، عن عبيد بن حنين وبسر بن سعيد كلاهما عن قتادة، ورواه عن قتادة أيضا سوى عبيد بن حنين وأبي الحباب وبسر بن سعيد - عبيد الله بن عبد الله بن عتبة. ورواه عن إبراهيم بن المنذر محمد بن إسحاق الصغاني ومحمد بن المصفى ومحمد بن المبارك الصوري وجعفر بن سليمان النوفلي وأحمد بن رشدين وأحمد بن داود المكي وابن الأصفر وغيرهم، وحدث به من الحفاظ عبد الله بن أحمد بن حنبل وأبو بكر بن أبي عاصم وأبو القاسم الطبراني، وروي عن شداد بن أوس أيضا مرفوعا. وروي عن عبد الله بن عباس وكعب بن عجرة رضي الله عنهما موقوفا، وعن كعب الأحبار أيضا، وروي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في قوله تعالى: (الرحمن على العرش استوى) هذا المعنى، ورواة هذا الحديث من طريق قتادة وشداد عامتهم من رجال الصحيح، وذلك كله بعد قول الله تعالى (أفمن يخلق كمن لا يخلق) إنما يوافق الاسم الاسم، ولا تشبه الصفة الصفة ) اهـــ [ نقله عنه الدشتي في إثبات الحد (53) ]

خلاصة الكلام : 
 لم أقف على أي تصحيح من المتقدمين من طبقة أحمد ونحوه ، لهذا الحديث أو من ذكره في كتب المعتقد والسنة والصفات إلا ابن أبي عاصم فقط في السنة ، وقيل الخلال في السنة لكن لفظ أبي يعلى في إبطال التأويلات قال ( في سننه ) لا السنة ، بينما ابن القيم والذهبي وابن عبد الهادي قال ( في السنة ) والملاحظ أن كل من مشاه إنما صحح إسناده فقط أو وثقوا رجال سنده ، وادعوا أنهم على شرط البخاري !! والحقيقة أن قولهم على شرط البخاري فيه نظر لأسباب : 

الأول : أن البخاري تجنب إخراج هذا الحديث ، وهو قوي على شرطه كما يدعون . الثاني : أن مسلم تجنب الرواية مطلقا لرواية فليح وابنه في صحيحه . الثالث : وهو السبب الأقوى ، وهو أنه أخرج لَهُ البُخَارِيّ نُسْخَة من رِوَايَته عَن أَبِيه عَنْ هِلَالِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَبَعضهَا عَن هِلَال عَن أنس بن مَالك توبع على أَكْثَرهَا عِنْده وَله نُسْخَة أُخْرَى عِنْده بِهَذَا الْإِسْنَاد لَكِن عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ بَدَلَ عَطاء بن يسَار وَقد توبع فِيهَا أَيْضا ، وَهِي ثَمَانِيَة أَحَادِيث ، فهذا يدل على أن البخاري لم يعتمد عليه كثقة حجة ، وإنما كان ينتقى من حديثه مرويات قليلة جدا ، وقد عددت كل ما في صحيحه فإذا هي ستة عشر حديثا (16) فقط ، كل متونها معروفة مشهورة ، مروية من عدة طرق . الرابع : أن كتب السنن والعقائد والمسانيد كلها لا أحد منهم خرج هذا الحديث بروايته الأولى ، وهذا ما يثير الشك والإضطراب جدا في مدى صحة كلام المتأخرين عن تصحيح سنده على شرط البخاري !! ولا يكفي الاحتجاج بإخراج ابن أبي عاصم وحده لهذا الحديث ، فقد عودنا أن يتفرد بإخراج أحاديث يتفرد بها فتكون ضعيفة عادة ويتجنبها باقي أصحاب السنن والصحاح ، كما تفرد بحديث (لكل نبي حوض) دون سائر من كتب في العقيدة والسنة من أهل الحديث ، ولهذا يبقى هذا الحديث محال إشكال كبير بروايته الأولى دون رواية أحمد فليس فيها موضع النقاش والجدل ؟؟ لهذا تجد أن أبا محمد الدارمي لما ذكره في كتابه النقض على المريسي (ص331) سكت عنه ولم يصحح ولا يضعف إنما ، رد تأويله وتحريفه على المريسي على فرض صحته فيما يظهر ، ورفض ابن رجب أن يصحح هذه الرواية الأولى واكتفي بتجويد رواية أحمد فقط ، ومثله ذاك البيهقي . 

وأنا صراحة لا أجزم بصحته ولا نكارته ، لكن الأقرب ضعفه على منهج الحديث ، من جهة السند ، لا على طريقة الجهمية والأشعرية ومن تأثر بهم من المعاصرين بسبب المتن !!          إنما من جهة السند فقط ، وإن صح فلا إشكال في متنه كما سأتي في هذا التنبيه . 

تنبيه مهم : حديث الإستلقاء هذا لا ترتبط صحته أو ضعفه بسبب ورورده ، أو ما إذا كانت تلك الجلسة مباحة أو لا ؟ لأننا إذا قلنا أن الجلسة مباحة فهذا لا يعني نفي الصفة التي وردت في الحديث عن الله تعالى ـــ إن صحت ـــ لأنه لا تلازم بين هذا وهذا ولا تعارض ، فمن جعل إثبات هذا ينفي وجود هذا ، هذا غلط فاحش في الفهم !! فإن صحت فنحن نثبتها على طريقة السلف في الصفات في الإمرار بما يليق الله لا مانع منه ولا يوجد فيه أي نكارة ، فنقول الصفة ثابتة لله تعالى لا على سبيل الإستراحة كما ادعت اليهود لعنهم الله ، وإنما الله يفعل ما يشاء وما مسه من لغوب ، وليست بأغرب من الإستواء والجلوس لله تعالى على العرش وقد نبه على هذه القضية ابن أبي يعلى في إبطال التأويلات فقال : أعلم أن هَذَا الخبر يفيد أشياء منها : جواز إطلاق الاستلقاء عليه ، لا عَلَى وجه الاستراحة ، بل عَلَى صفة لا تعقل معناها ، وأن له رجلين كما له يدان ، وأنه يضع إحداهما عَلَى الأخرى عَلَى صفة لا نعقلها ، إذ ليس فِي حمله عَلَى ظاهره ما يحيل صفاته ..... قولكم أنه لا يجوز حمله عَلَى ذَلِكَ غلط ، لأنا قد بينا أنا لا نحمله عَلَى صفة تستحيل فِي صفاته ، بل يجري فِي ذَلِكَ مجرى غيره من الصفات... قال .. والثاني : منع هَذِهِ الجلسة وكراهتها ، قام الدليل عَلَى جواز هَذِهِ الجلسة لخلاف السلف وأجازتهم له ، وبقي إثبات الرجلين عَلَى ظاهره لأنه لم ينقل عنهم خلافه ولا رده ، فوجب الرجوع إليه ، لأنه لا يجوز فِي حقه إثبات صفة برأيه واجتهاده حديث آخر فِي هَذَا المعنى ) اهـــ  

(قلت) فعلى هذا لا حاجة لترجيح المنع لهذه الجلسة كما فعل عادل آل حمدان في تعليقه على إثبات الحد للدشتي ، فرارا من الإلزام الذي ذكره بعض المتأخرين ، فترجيحه للمنع ضعيف خلاف جماهير السلف وأهل الحديث الذين أباحوها ، فإنه لا تلازم بين إثبات الصفة ، وبين إباحتها للمخلوق أن يجلسها أولا ، وقد ثبت عندنا أن الله سبحانه يجلس على كرسه ، فهل يعقل أن نقول لا يجوز الجلوس على الكرسي أيضا ؟؟ 

فصل إباحة جلسة الإستلقاء ووضع الرجلين على الأخرى :

جلسها النبي صلى الله عليه وسلم عدة مرات ، كما في عدة روايات ومنها ما روي عن عباد بن تميم عن عمه أنه رأى رسول الله عليه وسلم مستلقيا في المسجد ، واضعا إحدى رجليه على الأخرى. رواه البخاري وترجم له بـ : باب الاستلقاء في المسجد .                                                                  
من فعله من الصحابة : أبو بكر وعمر وعثمان وابن مسعود وعبد الرحمن بن عوف وبلال بن رباح وأنس وأسامة بن زيد وابن عمر والبراء بن مالك ومعاوية .                           
ومن التابعين : ابن الحنفية والشعبي والحسن وأبو مجلز وابن سيرين وعكرمة ومحمد بن علي .  
قال ابن رجب في الفتح (3/406) وأما أكثر العلماء ، فرخصوا فيه ، وممن روي أنه كان يفعله: عمر، وعثمان ، وابن مسعود ، ونص أحمد على جوازه ) اهــ . 
 قال المَرُّوذِيّ : سَأَلْتُ أبا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الرَّجُلِ يَسْتَلْقِي عَلَى قَفاهُ ، وَيَضَعُ إحْدى رِجْلَيْهِ عَلَى الأُخْرى؟ قال: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، قَدْ رُوِيَ . [ الآداب الشرعية (3/401) ] 

من قال إن النهي منسوخ بالإباحة : 

قال أبو موسى المديني في اللطائف من علوم المعارف (ص43) وَحَدِيثُ الاسْتِلْقَاءِ ذَكَرَ الْحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مَنْدَهْ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِفِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ . 

قال ابن شاهين في ناسخ الحديث (1/504) بعد ذكر حديث جَابِرٍ قَالَ: « نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَسْتَلْقِيَ الرَّجُلُ عَلَى قَفَاهُ ، ثُمَّ يَضَعُ إِحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى » قال : وَهَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي رُوِيَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ ، عَنْ جَابِرٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الِاسْتِلْقَاءِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَنْسُوخًا بِحَدِيثِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ ، عَنْ عَمِّهِ ، وَالَّذِي يَصِحُّ عِنْدَنَا نَسْخُهُ فَعَالُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ مِثْلَ ذَلِكَ سَوَاءٌ ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِلصَّحَابَةِ فِي هَذَا فِعْلٌ لَقُلْنَا : إِمَّا أَنْ يَكُونَ هَذَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحْدَهُ ، لَأَنَّهُ نَهَى عَنْ أَشْيَاءَ وَخُصَّ هُوَ بِفِعَالِهَا أَوْ نَقُولُ نَسْخَ النَّهْي الْفِعَالَ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ . [ ونقله ابن الجوزي في منسوخ الحديث (1/441) ] 

(قلت) وهو ظاهر صنيع مالك في الموطأ في الموطأ حينما ذكر في أحد تبويباته روايات الإباحة وفعل الصحابة مشيرا للإباحة وبهذا بوب جميع أهل الحديث في تبويباتهم في الصحاح والسنن والمسانيد مما يدل أن الأمر عندهم على الإباحة . 

ومن كرهها من السلف : أبو سعيد الخدري ، وقتادة ابن النعمان وابن عباس وسعيد بن جبير وكعب بن عجرة ورواية عن بن سيرين والحسن وبه قال مجاهد وطاووس . 

سبب كراهة بعض السلف لهذه الجلسة : 
 في إتحاف الخيرة (5830) قال إسحاق بن راهويه : أبنا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ ثَنَا عَبْدُ الْجَلِيلِ- وَهُوَ ابْنُ عَطِيَّةَ- ثَنَا أَبُو مِجْلَزٍ قَالَ : أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- اسْتَلْقَى فِي حَائِطٍ مِنْ حِيطَانِ الْمَدِينَةِ ، فَوَضَعَ إِحْدَى رجليه على الأخرى وكان الْيَهُودُ تَفْتَرِي عَلَى اللَّهِ- عَزَّ وَجَلَّ- يَقُولُونَ: إِنَّ رَبَّنَا- تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فَرَغَ مِنَ الْخَلْقِ يوم السبت ثم تروح ، فقال الله- عز وجل-: ( ولقد خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أيام وما مسنا من لغوب ) فَكَانَ أَقْوَامٌ يَكْرَهُونَ أَنْ يَضَعَ إِحْدَى رِجْلَيْهِ على الأخرى حتى صنع عمر". [ قال البوصيري : هذا إسناد رواته ثقات ]. 

وروى ابن أبي شيبة (25516) والخطيب في تاريخه (3990) بسند صحيح عَنِ الْحَكَمِ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا مِجْلَزٍ عَنِ الرَّجُلِ يَجْلِسُ وَيَضَعُ إِحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى , فَقَالَ : لَا بَأْسَ بِهِ ، إِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ كَرِهَتْهُ الْيَهُودُ ، قَالُوا : إِنَّهُ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ، ثُمَّ اسْتَوَى يَوْمَ السَّبْتِ فَجَلَسَ تِلْكَ الْجِلْسَةَ " 

وروى ابن أبي شيبة (25523) حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ، عَنْ حَبِيبٍ قَالَ: رَآنِي مُحَمَّدٌ وَقَدْ وَضَعْتُ رِجْلَيَّ هَكَذَا - وَوَضَعَ قَدَمَهُ الْيُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُسْرَى - قَالَ: فَقَالَ: « ارْفَعْهَا ، قَدْ تَوَاطَئُوا عَلَى الْكَرَاهِيَةِ لَهَا » قَالَ : فَذَكَرْتُ لِلْحَسَنِ ، قَالَ : فَكَانَتِ الْيَهُودُ يَكْرَهُونَهُ , فَخَالَفَهُمُ الْمُسْلِمُونَ عن عقيل : قيل للحسن : قد كان يكره أن يضع الرجل إحدى رجليه على الأخرى. فقال الحسن: ما أخذوا ذلك إلا عن اليهود. 
وعن حُمَيد عن الحسن : أنه كان يفعله ويقول : إنما كره أن يفعله بين يَدَي القوم مخافة أن ينكشف . 

روى ابن أبي شيبة (25511) عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: « إِنَّمَا يَنْهَى عَنْ ذَلِكَ أَهْلُ الْكِتَابِ » 
قال ابن رجب في فتح الباري (3/406) ملخصا كل الروايات : واختلفوا في أحاديث النهي : فمنهم من قال : هي منسوخة بحديث الرخصة ، ورجحه الطحاوي وغيره. ومنهم من قال : هي محمولة على من كان بين الناس فيخاف أن تنكشف عورته ، أو لم يكن عليه سراويل ، روي ذلك عن الحسن ، وروي عنه ، أنه قال فيمن كره ذلك : ما أخذوا ذلك إلا عن اليهود ) اهـــ . 

(قلت) يفهم من هذه الآثار ، أن اليهود ابتدعت شيئين :          الأول : أنها فسرت تلك الصفة لله تعالى وهي الجلوس ووضع الرجل على الأخرى بأنها من تعب والعياذ بالله ، وهذا من كفرهم وسوء طويتهم وخبثهم . 
الثاني : أنها ادعت أن هذه الجلسة لا تجوز ، لأنها خاصة بالخالق أو نحو هذا . لكن لا ندري هل من كره هاته الجلسة من الصحابة والتابعين كرهوا ذلك مخالفة لأهل الكتاب . كما يدعي أبو مجلز والحسن وعكرمة ، أم أنهم سمعوا الكراهة من النبي صلى الله عليه وسلم لما نهى عن ذلك أول مرة ، فبقوا على تلك الكراهة ولم يصلهم النسخ بفعله ؟ والله أعلم وبالله التوفيق .






كتبه أبو عبيد الجزائري عفا الله عنه